بعد انتهاء الدورة الاستثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة (بكين + 5) الصراع يحتدم بين الفضيلة والرذيلة


تيار الشذوذ والإباحية يكسب الجولة، لكن بصعوبة وبشكل جزئي، هذه هي الخلاصة المركزية لاجتماع الدورة الاستثنائية للأمم المتحدة، الخاصة بالمرأة عام 2000م، أما أكثر بلادنا فكان على هامش الصراع بين قوى الفضيلة وأنصار الرذيلة.

قد تبدو هذه الخلاصة قاسية، ومتسرعة، ولاسيما أن الدورة لم تجف أوراقها بعد إلا أن وقائع الاجتماع، وخصوصاً النقاشات المطولة التي عرفها مقر الأمم المتحدة منذ الساعة الثانية بعد ظهر يوم الخميس 8 يونيو إلى التاسعة صباحاً من اليوم التالي تؤكد صحة الخلاصة، وهو ما نبسطه بتفصيل في الفقرات اللاحقة.

حصيلة عامة

عرفت الدورة إلقاء 207 خطابات من طرف 178 دولة بالأمم المتحدة، و3 دول ليست عضواً بالإضافة إلى 16 مراقباً و4 منظمات غير حكومية، وشكلت تدخلات العنصر النسوي 77% من مجموع المتدخلين.

وقد استغرق ذلك جل وقت الدورة، حيث امتد إلقاء الخطابات من يوم الإثنين 5 يونيو إلى منتصف يوم الخميس 7 يونيو، ولم يخصص لمناقشة البيان الختامي ووثائق الدورة سوى يوم واحد.

كما بلغ عدد المندوبين المشاركين في الدورة 2300 مندوب يضافون إلى أعضاء التمثيليات الدائمة للدول في منظمة الأمم المتحدة، وضمن هذا العدد الهائل من المشاركين شكل وجود مندوبات المنظمات غير الحكومية القسط الأوفر وذلك بـ 2043 مندوبة يمثلن 1036 منظمة غير حكومية جلها قادم من أمريكا وأوروبا، ومنها ما يقرب من 300 منظمة تم اعتمادها بعد مؤتمر بكين سنة 1995م. الوثيقة الختامية للدورة، أبرزت التوجه نحو تطبيق توصيات منهاج عمل بكين، ووضعت أهدافاً جديدة، أبرزها :

- ضمان الحق الكامل في استفادة المرأة من الخدمات الصحية، طيلة حياتها، في أفق عام 2020م، وتكثيف جهود مواجهة مرض الإيدز.

-القضاء على أمية المرأة وضمان حقها الكامل في التعليم في أفق سنة 2015م.

- المصادقة النهائية على اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة لسنة 1979م، وذلك في أفق سنة 2005م.

- وإلى جانب ذلك تم إقرار وضع برامج تستهدف الرجال بتصحيح نظرتهم إلى سلوكياتهم الجنسية وأدوارهم في الأسرة، كما تمت إدانة ظواهر ختان الإناث وجرائم الشرف.

وقد عرفت الدورة استمرار الخلاف حول قضايا الحرية الجنسية.

وقبل التطرق بتفصيل لهذه النقطة، نضيف أن من نتائج المؤتمر تعزيز مكانة المنظمات غير الحكومية، حيث حصلت الإشادة بها، والاعتراف بدورها الطلائعي في تنفيذ منهاج عمل بكين، كما أقر البيان الختامي الدعوة إلى إعطاء المنظمات غير الحكومية المعترف بها من الأمم المتحدة نفس درجة الاعتراف على صعيد البلدان الأصلية.

الجنس والدين والإرث :

النقاط الخلافية الكبرى

شهدت الدورة خلافاً حاداً حول ثلاث قضايا مركزية أولاها قضية الحريات الجنسية للمرأة، والمتمثلة في : حرية الحصول على المعلومات الجنسية، الحق في الإجهاض، الشذوذ الجنسي، منع الحمل.

النقطة الخلافية الثانية تمثلت في مسألة الإرث وخصوصاً الإرث المتعلق بالأراضي، أما ثالث النقط فهي شرعية الإحالة والارتباط بالمرجعيات الدينية.

لقد كادت هذه النقط الخلافية والتي بلغت عشر نقط تفصيلية، أن تنسف الدورة من أساسها، لولا اضطلاع تمثيلية الاتحاد الأوروبي والمدعمة من طرف الولايات المتحدة، وكندا، بخوض مفاوضات عسيرة وشاقة مع الدول الإسلامية والكاثوليكية طيلة ليلة الخميس 8 يونيو حتى حصل حذف المواقف الجديدة والطارئة على مؤتمر بكين أو الاحتفاظ بالصيغ التي تم بها التعبير عن هذه القضايا في مؤتمر بكين.

المثال البارز هنا، هو الموقف من الشذوذ الجنسي حيث كان النص الأصلي للوثيقة الختامية ينص على إدانة التمييز على أساس الشذوذ الجنسي وقد حصل تحالف كبير وضخم لفرض هذا الموقف بصريح العبارة، إلا أن الموقف الرافض لبعض الدول الإسلامية والكاثوليكية أدى إلى الاستعاضة عن ذلك بلفظ الحقوق الأساسية للإنسان، وإدانة التمييز بكل أشكاله، دون تفصيل في هذه الأشكال وبما يسمح بإدراج التمييز القائم على الشذوذ ضمنياً.

بالمقارنة مع مؤتمر بكين نجد أن قوى الرذيلة والإباحية تقدمت خطوة إضافية إلى الأمام، في إقرار تصورها لقضايا الجنس والمرأة، ونتوقف هنا لاستعراض مفهوم >الهوية الجنسية< كما ورد ضمن وثائق الدورة حيث عرف بكونه يحيل على الأدوار الاجتماعية للرجال والنساء، المرتبطة بهم بناء على جنسهم سواء في حياتهم الخاصة أو حياتهم العامة، ولفظ >الجنس< يحيل على الخصائص البيولوجية والمادية للرجال والنساء، ويرتبط بذلك أن الوظائف المحددة من طرف المجتمع لكلا الجنسين ترتبط بالسياق الاجتماعي الاقتصادي-والسياسي الثقافي ومتغيرة من ثقافة لأخرى وفي داخل الثقافة الواحدة، وهو ما يعني أن ما يسمى بحرية التوجه الجنسي سواء نحو الجنس الآخر أو الجنس المثلي ترتبط فقط بمدى القبول الاجتماعي والثقافي لها من طرف المجتمع، وهو ما يتطلب استهداف المجتمعات لتغيير تصوراتها الثقافية حول المسألة ومراجعة ما يسمى بـ>الأدوار النمطية للرجل والمرأة<.

عموماً فإن القضايا الخلافية الثلاث تكشف عن جوهر الصراع الحضاري الأزلي بين الحق والباطل.

تراجع التيار المعارض للإباحية

بالمقارنة مع مؤتمر بكين ظهر التيار المعارض ضعيفاً ومفككاً يفتقد لتنسيق قوي مسبق على شاكلة ما حصل في بكين عام 1995م.

والدول التي اضطلعت بمسؤولية مواجهة زحف الرذيلة والشذوذ، أغلبها دول إسلامية، وهي مصر والسعودية، والسودان، وإيران، وباكستان، وليبيا، والجزائر يضاف لها كل من نيكارجوا، وبولندا والفاتيكان.

أما التيار المضاد فقد قادته تمثيلية كل من الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، وكندا وأستراليا، ونيوزيلاندا والدول الإفريقية التي تقع تحت جنوب خط الاستواء، ونشير إلى أن كوبا والصين كانتا ضمن التيار المعارض، لكن في القضايا السياسية المتعلقة باحترام سيادة الدول وعدم التدخل.

ويلاحظ أن عدم التكافؤ بين التيارين كان واضحاً ولولا أن وثائق الدورة يجب أن يقع عليها الإجماع كما أن حق التحفظ يبقى ثابتاً، لحصل تمرير وفرض التصورات الإباحية.

الملاحظة الثانية : تراجع عدد الدول الكاثوليكية المعارضة، من مثل جواتيمالا، كوستاريكا، الدومينيكان، الهندوراس، وهذا التراجع يفسر بالحملات التي انخرطت فيها بعض المنظمات غير الحكومية ضد هذه ا لدول والمثال الجلي هو الحملة التي تخوضها منظمة Catholics for a free Choice ضد الفاتيكان من أجل حذف عضويته بالمنظمة الأممية، وهي حملة انطلقت في سنة 1999م وبدأت تؤتي أكلها تدريجياً وتعود لكون الفاتيكان يستقطب بحركيته المكثفة في هذا المجال اهتماماً بارزاً من طرف عموم الدول الكاثوليكية، وله تأثير بالغ على موقفها، ولهذا فإن هدف إزاحته من المنظمة الأممية، يمثل خطوة نحو إضعاف الموقف الكاثوليكي المحافظ والاستفراد بالدول الإسلامية.

الملاحظة الثالثة هي محدودية عدد الدول الإسلامية المعارضة، فمن أصل ما يزيد على 50 دولة، لم نجد إلا 7 دول، وهذا يجعل المرء يتساءل عن دور منظمة المؤتمر الإسلامي، التي كانت كلمتها هي الأخرى ضعيفة وبعيدة كل البعد عن حقيقة الصراع الدائر في الدورة.

والآن وقد انتهت الدورة فهل من مبادرة للاستدراك تعمل على تصحيح الاختلالات والثغرات التي كشفتها الدورة سواء على صعيد التنسيق بين الدول الإسلامية أو على صعيد التنسيق بين المنظمات غير الحكومية الإسلامية، أو على صعيد تجسير العلاقة مع باقي منظمات الدفاع عن الفضيلة؟

وهو استدراك يجب أن يتأسس على بحث علمي أكاديمي رصين، ونعتقد أن على الحركات الإسلامية في العالم أن تضع ضمن أجندتها الاستعداد لتحمل هذا العبء خاصة وأن السنوات الخمس المقبلة ستعرف احتداماً في الصراع بين الفضيلة والرذيلة.

المجتمع ع 2000/6/20

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>