أثار الاختلاف بين المغرب و دول المشرق العربي في الإعلان عن بداية شهر شوال 1423 أسئلة تتجدد كل سنة في المواسم الإسلامية الثلاثة : بداية رمضان و عيد الفطر و عيد الأضحى. و كان توحيد بداية شهر رمضان المبارك لهذا العام في مجموع البلاد الإسلامية قد أثار ارتياحا كبيرا لدى جماهير الأمة، و أخّر إثارة أسئلة التشكيك و الحيرة و الحسرة و لكن إلى حين نهاية الشهر الفضيل فقط.
و لا شك أن الجمهور الواسع من المسلمين اليوم يطمح إلى توحيد الأمة في الاحتفال بأعيادها، و يرون في ذلك رمزا من رموز وحدتها التي يجب أن تبرز على الرغم من تعدد الدول و اختلاف السياسة. و ما من شك أيضا في أن هذا الموضوع يستحق الدراسة من مختلف جوانبه، و هي كثيرة لا نستطيع الإحاطة بها جميعاً في هذا المقال : فقهية و علمية فلكية و عملية. و من الواضح أن هناك تداخلا بين هذه الجوانب، و المأمول أن تتضافر جهود الفقهاء و علماء الهيئة (الفلك) للإجابة عن هذه الأسئلة، و ألا تستمر طويلا حالة القطيعة التي طبعت بشكل عام علاقة كثير من الفقهاء بعلم الهيئة في مباحث رؤية الهلال، وقد بسطنا بعض أسبابها في غير هذا الموضع1.
و سنقتصر هنا على تمحيص رؤية هلالي رمضان المنصرم و شوال الجاري متوسلين بما صح اعتباره من النتائج المسلم بها في علم الهيئة.
و لتنظيم مطلبنا، سنقسمه حسب الأسئلة التي تروج بين الجمهور، و لعل أهمها :
1- هل يجيز علم الفلك إمكانية رؤية الهلال في المشرق و عدم رؤيته في المغرب مساء نفس اليوم ؟
2- هل يجيز علم الفلك تكرر الاختلاف بهذا التردد العالي بحيث أصبح هو القاعدة بينما تبدو الوحدة استثناءً ؟
3- كيف يمكن أن تعلن جميع دول المشرق العربي بداية شوال يوم الخميس 5 دجنبر 2002 و ينفرد المغرب بإعلان بدايته يوم الجمعة ؟
4- شوهد هلال شوال مساء الخميس فكان كبيراً نسبيا. ألا يدل ذلك على أنه لليلة السابقة ؟
5- هل يجيز علم الهيئة أن يتوحد المشرق و المغرب في رؤية هلال رمضان ثم يختلفا في رؤية هلال شوال ؟
و للجواب عن هذه الأسئلة سوف لن نخوض في التفاصيل التقنية المتعلقة بالمعايير المعتبرة عند الحُسّاب. وبغية التركيز لن نعتبر إلا الخلاف بين بلدان المشرق العربي و بلادنا المغرب الأقصى. فأقول و بالله التوفيق :
1- قبل الإجابة عن السؤال الأول، لنذكّر بتعريف الاقتران : و هو وقوع الأرض و القمر و الشمس على خط مستقيم تقريبا، في نهاية الشهر القمري. و عندما ينزاح القمر قليلا عن هذا الوضع يولد الهلال، و لكن لكي تمكن رؤيته لا بد من مرور مدة زمنية كافية. و هذه المدة تتغير من شهر إلى آخر نظرا لاعتبارات لا يسمح المجال ببسطها.
أما رؤية الهلال في المشرق فإنها توجب رؤيته حتما في المغرب في نفس اليوم. و هذا مما تقرر في علم الفلك مند القدم. و السبب فيه أن الهلال لا يُرى -عندما يرى أول مرة- إلا بُعيد غروب الشمس، لأنه يكون ما زال صغيرا يحجبه توهج أشعتها، فلا بد من اختفائها تحت الأفق لإتاحة رؤيته. ثم إن غروب الشمس في المغرب يتأخر عنه في المشرق ببضع ساعات (على سبيل المثال يتأخر الغروب في الرباط عنه في بغداد بحوالي ثلاث ساعات و نصف في نهاية شهر نونبر، و العاصمتان تقعان على نفس خط العرض تقريبا). فإذا رئي الهلال في المشرق فمعنى ذلك أن نوره و حجمه كانا كافيين لإتاحة الرؤية هناك، و عند حلول الغروب في المغرب يكون قد زاد حجمه و زاد نوره فتكون رؤيته أيسر.
و هكذا نرى أن الوضع الصحيح هو أحد أمرين : أن يرى الهلال في المشرق و المغرب معا مساء نفس اليوم، أو ألا يرى في المشرق و لكن يرى في المغرب مساء نفس اليوم، ثم يرى في المشرق مساء اليوم الموالي. فالمفروض حسب حقائق علم الفلك أن يتوحد الإعلان عن الرؤية في المشرق و المغرب أو أن يسبق المغرب المشرق. و لا يجوز عند علماء الهيئة أن يرى بالمشرق و لا يرى بالمغرب. و لم نعتبر هنا الأحوال الجوية التي يمكن أن يؤخر سوءها الرؤية كما لا يخفى.
2- حسبما تقرر في الجواب السابق فإن تأخر رؤية المغرب عن المشرق لا يمكن أن تحدث إلا في حالة سوء الأحوال الجوية بمجموع المغرب، و هي حالة تعتبر استثناء. لذلك فتأخر المغرب عن المشرق يجب أن يكون نادرا.
3- إن إعلان معظم البلاد العربية عن بداية شوال يوم الخميس 5 دجنبر 2002 لا يقتضي بالضرورة الشك في إعلان المغرب أن بداية الشهر يوم الجمعة. و عدد الدول هنا لا عبرة به، ذلك أن إعلان هذه الدول لا ينبني على تحقق الرؤية في كل واحدة منها. و حسب المعلومات المتوفرة عن بلدان المشرق، فإن الدولة الوحيدة التي أعلنت ثبوت الرؤية هي المملكة العربية السعودية. أما الدول الأخرى فيشبه أن تكون قد أخذت فقهيا بنقل الرؤية فبنت إعلانها على رؤية السعودية. ثم إن هناك أمرا يجب الالتفات إليه و هو أنه لا يمكن أن يُعلن عن عدم الرؤية و هي متيسرة، لأن الإعلان سيكذبه الناس و سيشتهر الأمر، خاصة و أن هذا الخلاف يتكرر باطراد. و الحال أنه لم يشتهر شيء من ذلك (في المغرب) لا في شأن هلال شوال الجاري و لا في أهلة الشهور الأخرى التي تأخر فيها الإعلان عن المشرق.
4- لا يترتب عن مشاهدة الهلال كبيرا (نسبيا) أنه لليلة السابقة و أنه وقع خطأ حين أعلن عن عدم رؤيته في الليلة السابقة. ذلك أن الفارق الزمني بين لحظة ولادة الهلال و غروب الشمس في المكان الذي تتم فيه المراقبة، يمثل عاملا لا يجب إغفاله فيما يتعلق بإمكانية الرؤية في ذلك المكان. و على سبيل المثال كانت ولادة هلال رمضان يوم الإثنين 4 نونبر 2002 على الساعة 8 و 35 دقيقة مساءً بالتوقيت العالمي الموحد و هو توقيت المغرب. و عند غروب الشمس في الداخلة مساء الثلاثاء كان عمر الهلال (و هو الزمن المنصرم منذ ولادته) 21 ساعة و 49 دقيقة، و قد أعلن عن رؤيته في ذلك المساء. أما هلال شوال، فكانت ولادته على الساعة 7 و 36 دقيقة صباح الأربعاء 4 دجنبر و لم تمكن رؤيته مساء ذلك اليوم، و عند غروب شمس الخميس في الرباط كان عمر الهلال 33 ساعة و 44 دقيقة، و عند غروبها في الداخلة كان عمره 34 ساعة و 43 دقيقة. لذلك فهلال شوال كان كبيرا بالنسبة إلى هلال رمضان مثلا، و لكن لا يترتب عن كبره بالضرورة وقوع الخطأ.
5- نعم يمكن أن تتوحد الرؤية في شهر قمري معين ثم تختلف في الشهر الذي يليه، و لكن مع مراعاة ما جاء في الجواب الأول، و أن المغرب يجب أن يوافق المشرق في الرؤية أو يسبقه. فما الذي حدث هذا العام بحيث صام الناس في المشرق و المغرب في يوم واحد، و أفطر أهل المشرق قبل أهل المغرب بيوم ؟ دعونا نسرد الوقائع حسب المعلومات المتاحة و نحللها.
هلال رمضان
كانت المعطيات الحسابية تشير إلى ولادة الهلال يوم الاثنين 4 نونبر 2002 على الساعة 8 و 35 دقيقة مساءً بالتوقيت العالمي الموحد. و كانت الشمس في ذلك الوقت قد غربت في مجموع البلاد الإسلامية، فلم يكن بالإمكان رؤية الهلال الجديد بحال. و لنمحص الآن ما حدث في الواقع مساء ذلك اليوم و اليوم التالي، و سننتقي لهذا الغرض خمس دول كأمثلة هي الأردن و العربية السعودية و مصر و ليبيا و المغرب.
< وقائع مساء الاثنين 4 نونبر :
الأردن : كان يوم الاثنين 4 نونبر يوافق 28 شعبان حسب التقويم الرسمي المعتمد و هو تقويم يتبع حساب الرؤية2.
مصر : كان اليوم يوافق 29 شعبان، و حيث إن الهلال لم يُر فقد أعلن مفتي مصر الشيخ أحمد الطيب عن أن شهر شعبان سيستكمل 30 يوماً في الغد، و أن الأربعاء 6 نونبر سيكون أول أيام شهر رمضان. و تم ذلك في حفل نقل التلفزيون المصري وقائعه.
ليبيا : تتبع ليبيا تقويما يبدو أنه مبني على أساس وقوع الاقتران قبل الفجر، و هكذا أُعلن يوم الثلاثاء أول أيام شهر رمضان.
المغرب : كان الاثنين يوافق 28 شعبان، فلم يراقب الهلال أصلا و طلب من القضاة و النظار و العدول مراقبته مساء الثلاثاء، كما هو معهود.
السعودية : كان الاثنين يوافق 29 شعبان حسب التقويم الرسمي المسمى “تقويم أم القرى”، و كان المفروض أن يتم في هذه البلاد ما تم في مصر. إلا أن إعلان مجلس القضاء الأعلى جاء على الشكل التالي : “… فقد اجتمع مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة بمقره في مدينة الرياض ليلة الثلاثاء الموافق 30 شعبان حسب تقويم أم القرى بانتظار ما قد يرد عن رؤية هلال رمضان المبارك ولم يتقدم أحد لرؤيته هذه الليلة. ولأن دخول شعبان لميثبت ببينة كافية ليلة الاثنين الموافق 1 شعبان حسب تقويم أم القرى فسوف يعقد مجلس القضاء الأعلى جلسة في الليلة القادمة ليلة الأربعاء الموافق 1 رمضان حسب تقويم أم القرى بانتظار ما قد يرد عن رؤية هلال رمضان. والمجلس يرغب من عموم من منحهم الله حدة البصر أن يحتسبوا ويتراءوا الهلال ومن رآه فليخبر أقرب محكمة إليه لتثبت شهادته…”3. و الاضطراب الملاحظ في الإعلان سببه أن تقويم أم القرى تقويم محدد سلفا لا يراعي تحقق الرؤية الفعلية لبداية الشهور القمرية. و الحال أنه إذا لم تكن الشهادة على رؤية هلال شعبان قد توفرت فقد كان يجب أن يوافق يوم الاثنين 28 منه لا 29. و لا يمكن أن يُتبع تقويم محدد سلفا في سائر الشهور ثم نقوم بالمراقبة في رمضان (و شوال وذي الحجة)، لأن المراقبة يمكن أن تتم في يوم “خاطئ”، و يُتاح بالتالي المجال لتلقي شهادات قد تكون خاطئة عن رؤية الهلال.
< وقائع مساء الثلاثاء 5 نونبر :
التوقعات الحسابية (و سنقتصر منها على ما يهم المناطق التي نحن بصددها) كانت تشير إلى :
< إمكانية الرؤية بالعين المجردة بسهولة غرب خط منحن يمر جنوب الصحراء المغربية مفضيا إلى خليج غينيا ثم رأس الرجاء الصالح.
< إمكانية الرؤية بالعين المجردة إذا كانت الظروف الجوية جيدة غرب خط منحن يجمع بين خليج أكادير و جيبوتي جنوبي البحر الأحمر.
< إمكانية الرؤية بمساعدة الآلات غرب خط منحن يمضي من جنوب البرتغال ثم يخترق الجزائر و ليبيا و مصر في شبه جزيرة سيناء، و السعودية، ليفضي إلى بحر عُمان.
< إمكانية مشاهدة الهلال بواسطة الآلات فقط، و ذلك في رقعة ضيقة شرقي الخط السابق، و تشمل على سبيل المثال فلسطين و الأردن و شرق السعودية.
و على أرض الواقع حدث ما يلي :
الأردن : أعلن قاضي القضاة الشيخ عز الدين الخطيب التميمي أنه جرى تحري هلال رمضان مساء الثلاثاء و أنه “ثبت بالوجه الشرعي أن يوم الأربعاء 6 نونبر هو اليوم الأول من شهر رمضان”4. و الصيغة المستعملة في الإعلان غير واضحة، بحيث لا نعلم هل ثبتت رؤية الهلال في بقعة من التراب الأردني، أم هل نقلت من بلد آخر ؟ و كانت الجمعية الفلكية الأردنية قد أعلنت أن أحد أعضائها تمكن من رصد الهلال بواسطة ناظور و شاهده لمدة 15 ثانية قبل أن يغيب وراء الغيوم، و لم يتمكن الراصد من رؤية الهلال بالعين المجردة. و قد سجلت الشهادة على ذلك لدى القاضي الذي أمضاها و رفعها إلى قاضي القضاة. و هذه الرؤية بالآلة موافقة لما سبق ذكره في التوقعات الحسابية.
مصر : كان اليوم هو تمام الثلاثين من شعبان.
ليبيا : كان اليوم هو أول أيام رمضان.
المغرب : أعلنت وزارة الأوقاف عن ثبوت رؤية الهلال، و الإعلان موافق لما ذكرته التوقعات الحسابية.
السعودية : تم الإعلان عن دخول شهر رمضان، و أنه ثبت لدى الهيئة الدائمة للرؤية في مجلس القضاء الأعلى دخول شهر الصوم. وصرح الشيخ صالح بن محمد اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس الهيئة لجريدة “الشرق الأوسط” أنه “لم يثبت دخول شهر رجب في السعودية إلا بشاهد واحد، والشاهد الواحد في إثبات الشهر لا يعتبر إلا في رمضان. كما إن شهر شعبان لم يشهد برؤية دخوله ليلة الاثنين 6 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي سوى شاهد واحد، ومع هذا فإنه في ليلة الثلاثاء 30 شعبان الماضي حسب تقويم أم القرى الموافق 5 نوفمبر لم يتقدم أحد لرؤية الهلال، فكان التحري ليلة البارحة”5.
و الحاصل أن الدول الأربع : الأردن و العربية السعودية و مصر و المغرب توحدت بداية شهر الصوم فيها، و لكن الأسباب مختلفة كما هو مبين. و شذت ليبيا التي تتبع مذهبا خاصا بها.
أما ما تأخذ به المملكة العربية السعودية من اتباع التقويم المسمى “تقويم أم القرى” فهو يؤِدي إلى خلل و اضطراب. و قد كان هذا التقويم مثار انتقادات عدة في المؤتمر الفلكي الإسلامي الثاني المنعقد في عمان في شعبان من العام الماضي، و ذلك بسبب تساهله في المعايير المعتبرة للحكم بإمكانية الرؤية. و الواقع أنه يتقدم على الرؤية الصحيحة في أغلب الأحوال. و على سبيل المثال، كانت لجنة المواقيت و الأهلة في الاتحاد العربي لعلوم الفضاء و الفلك قد اجتمعت على هامش المؤتمر المذكور و أصدرت بيانا نبهت فيه إلى الخطأ الواقع في تحديد بداية شعبان من العام 1422 في كثير من بلدان المشرق (و ضمنها الأردن و السعودية) مما كان سيؤثر على تحديد بداية رمضان. و قد استجاب مجلس القضاء الأعلى في السعودية للتنبيه، و أصدر أياما معدودة قبل انصرام شعبان بيانا يصحح فيه ضمنيا بداية ذلك الشهر لتصبح 18 أكتوبر 2001 عوض 17 منه، إذ جاء في البيان : “…و بعد. فلأنه لم يتقدم أحد بشهادة دخول شهر شعبان ليلة الأربعاء 1422/8/1 ه حسب تقويم أم القرى فإن مجلس القضاء الأعلى يرغب من عموم المسلمين في هذه البلاد تحري رؤية هلال شهر رمضان المبارك مساء يوم الخميس 1422/8/30ه…”. و إذا كان الرجوع إلى الحق فضيلة تحسب للمجلس الموقر، فإن صدور مثل هذا البيان يدل على أن الدخول في الشهور القمرية يتم أحيانا دون رؤية في تلك البلاد ! و من ناحية أخرى حدثت في مناسبات سابقة إعلانات مبنية على تلقي شهادات على رؤية الهلال قبل وقوع الاقتران، و هي شهادات خاطئة دون شك لأن وقوع ذلك مستحيل طبقا لما هو مقطوع به في علم الهيئة. و مثال ذلك الإعلان عن رؤية هلال شوال 1420 في المملكة العربية السعودية و قد تمت بناءً على ادعاء للرؤية بينما الهلال الجديد لم يولد بعد، و القمر غارب قبل الشمس ! و كان الشيخ يوسف القرضاوي قد أصدر وقتها فتوى في الموضوع تناقلتها وسائل الإعلام. و ليست هذه الحالة الوحيدة. إلا أن الأغرب من هذا ربما تمثل في القرارالصادر عن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الرابعة جوابا على رسالة من الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رئيس المحاكم في قطر، قال فيها إن عيد الفطر من سنة 1400 قد وقع في غير موقعه الصحيح بناء على الشهادة الكاذبة برؤية الهلال، و أن الناس لم يروه في الليلة الثانية. و قد اعتبر المجلس في جوابه أنه ليس من شرط صحة تلك الشهادة أن يراه الناس في الليلة الثانية، و لو كان ذلك شرطا لبينه النبي صلى الله عليه و سلم.6
هلال شوال
كانت المعطيات الحسابية تشير إلى ولادة الهلال يوم الأربعاء 4 دجنبر 2002 على الساعة 7 و 36 دقيقة صباحا بالتوقيت العالمي الموحد. وكانت رؤيته غير ممكنة مساء ذلك اليوم في مجموع البلاد الإسلامية. و أول بقعة في الكرة الأرضية كان يمكن رؤية الهلال منها هي جنوب القارة الأمريكية، و ذلك بواسطة الآلات الفلكية. أما الرؤية بالعين المجردة، فلم تكن ممكنة في مجموع البلاد الإسلامية إلا مساء الخميس، بحيث يكون يوم الجمعة هو يوم عيد الفطر في كل تلك البلاد. فما الذي حدث في الواقع ؟
ليبيا : أعلنت أن فاتح شوال هو الخميس كما يقتضي ذلك مذهبها، ثم إن رمضان كان قد استكمل فيها 30 يوما.
السعودية و دول المشرق : أعلنت السعودية ثبوت رؤية الهلال مساء الأربعاء، و أن الخميس هو فاتح شوال. و جاء في البلاغ : “…وبعد. فقد ثبت شرعا لدى مجلس القضاء الأعلى رؤية هلال شهر شوال عام 1423ه بعد مغرب الأربعاء الموافق وبهذا يكون الخميس الموافق5 ديسمبر 2002م هو يوم عيد الفطر المبارك”7. و قد تبع المملكة في اعتبار الخميس يوم العيد دول المشرق العربي و ضمنها مصر و الأردن اللتان لم تعلنا ثبوت الرؤية.
و جدير بالذكر أن الاتحاد العربي لعلوم الفضاء و الفلك قد قام مساء الأربعاء بتجربة فريدة في الأردن، و هي مراقبة الهلال من على متن طائرةحلقت على ارتفاع 4000 متر فوق مستوى سطح البحر حيث تكون فرص الرؤية أكبر مما هي عليه فوق سطح الأرض بسبب عوامل منها نقاء الجو. و ذكر تقرير الاتحاد أن الفريق لم يتمكن من رؤية الهلال رغم استعمال المناظير، علما بأن” السماء كانت صافية جدا و نقية بشكل ملحوظ”. و أضاف البيان : “بالطبع إن عدم رؤية الهلال من الطائرة ضمن هذه الظروف فوق المثالية دليل قاطع على استحالة الرؤية يوم الأربعاء من أي منطقة مجاورة من على سطح الأرض… [وقدرضي الله عنه فوجئنا بإعلان ” ثبوت رؤية الهلال” و نحن ما زلنا على أرض المطار. و إننا نتساءل بأنه إذا كنا على هذا الارتفاع و ضمن هذه الظروف المثالية و باستخدام المناظير، و نحن فلكيون نعرف متى و أين ننظر و كيف سيبدو الهلال و لم نستطع رؤيته، فمن هو ذلك الشخص الذي رأى الهلال بعينه المجردة و من على سطح الأرض ؟!”8.
المغرب : أعلنت وزارة الأوقاف عن عدم ثبوت الرؤية، و أن رمضان سيستكمل عدة ثلاثين يوما و أن يوم الجمعة هو يوم عيد الفطر. وترتب عن هذا انفراد بلادنا عن دول المشرق العربي، بل و عن الجزائر و تونس أيضا. لكن لنلاحظ أن غالبية ديار الإسلام وافقتنا كماليزيا و إندونيسيا و بروناي و باكستان و الهند و أفغانستان و إيران وكذلك مسلمو تنزانيا وكينيا وجنوب إفريقيا. وفي هذه الأخيرة، حيث يشكل ترائي الهلال تقليدا يحرص عامة المسلمين على القيام به، تجمهر أكثر من 5 آلاف من المسلمين لمراقبة الهلال في مدينة رأس الرجاء الصالح مساء الأربعاء، فلم يره أحد.
خلاصة : هذا ما يمكن استفادته من تحليل المعطيات و مقارنة الوقائع مما يسمح به المجال، و هو يشير بكل وضوح إلى فوضى حقيقية في كثير من الدول الإسلامية فيما يخص تحديد بداية الشهور، هذا مع أنها مسؤولية جسيمة دون شك. إن المطلوب اليوم هو تعاون أهل الفقه و علماء الهيئة و المسؤولين لتدارس المسائل الخلافية و تحديد مواطن الخلل و القضاء على أسباب الشقاق و البلبلة، و تنوير الناس و تبسيط الأمور لهم و نشر المعلومات الصحيحة المتعلقة بالموضوع على نطاق واسع حتى يطمئن من في قلبه شك و يعود إلى الحق من كان على خطأ، و يعذر البعض البعض الآخر فيما لم يمكن الاتفاق بشأنه. و هذا هو المأمول من علماء الأمة وولاة أمورها، و على الله قصد السبيل.
بقلم الدكتور عبد الخالق الشدادي
————
(ü) أستاذ علم الفلك – المدرسة المحمدية للمهندسين – الرباط
عضو المشروع الإسلامي لرصد الأهلة (المنبثق عن الاتحاد العربي لعلوم الفضاء و الفلك)
1- عبد الخالق الشدادي : أسباب اختلاف الفقهاء و علماء الهيئة – نظرة تاريخية، ورقة مقدمة إلى المؤتمر الفلكي الإسلامي الثاني، عمّان، 2001-1422. و انظر عرضنا لأعمال هذا المؤتمر المهم في العدد 160 من المحجة (فاس) بتاريخ 5 رمضان 1422 = 21 نونبر 2001 .
2- كان قرار اعتماد هذاالتقويم في الأردن قد أعلن في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الفلكي الإسلامي الثاني.
3- جريدة الرياض السعودية، الثلاثاء 30 شعبان = 5 نونبر 2002. و الملاحظ أن الجريدة عنونت الخبر : “الأربعاء غرة رمضان حسب [تقويمرضي الله عنه أم القرى”.
4- جريدة الرأي الأردنية، الأربعاء 1 رمضان = 6 نونبر 2002 .
5- جريدة الشرق الأوسط اللندنية، الأربعاء 6 نونبر 2002. و قد عنونت الجريدة الخبر : “اليوم أول أيام رمضان بعد شكوك في دخول رجب وشعبان”.
6- قرارات مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي. الدورة الرابعة (ربيع الآخر 1401). القرار السادس حول رسالة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود الموجهة إلى العلماء و الحكام و القضاة في شأن رؤية الهلال.
7- جريدة الرياض السعودية، الخميس 5 دجنبر 2002.
8- بيان الاتحاد العربي لعلوم الفضاء و الفلك المؤرخ في 11 دجنبر 2002 و قد نقلته وكالة قدس برس من عمّان، و نشرته بعض الصحف الأردنية، و اطلعنا عليه في جريدة الدستور يوم 15 دجنبر 2002.