استقبلت أغلب الأسر المغربية هذه الأيام أحد أفراد عائلتها أو أكثر العائدين من الغرب ، سواء أكان هذا الغرب إحدى دول أوروبا أو أمريكا ، فكله من طينة واحدة في مجال التصور الفكري الذي قام على أساس المادية وجعل غايته تحقيق القوة والسيطرة على الشعوب المستضعفة وإهدار حرياتها تحت مسميات وشعارات مختلفة من جهة وإطلاق العنان لإشباع شهواته من جهة أخرى، استقبلتهم وقلوب البعض منها ترتجف خوفا وهلعا من التحول الذي قد يلمسونه في أقاربهم وأحبابهم ،، تحول ربما يمس عقيدتهم وهويتهم خاصة بعد أحداث 11 شتنبر وما جرت من حملات محمومة لإلصاق تهمة الإرهاب بكل من يشمون فيه رائحة الإسلام.ورغم هذه الصورة القاتمة إلا أنه يوجد أفراد من الشعوب الغربية الذين لم يتأثروا بمثل هذه الحملات وظلوا يعاملون المسلمين على أساس من الإنسانية وحسن الجوار . من هنا نقول إن مسؤولياتنا تجاه أحبابنا العائدين قد أصبحت أكثر دقة وخطورة . وهي مسؤولية تجعلنا نذكرهم أولا بمعاني ودلالات القرآن باستمرار وخاصة الآيات التي تبين مفهوم الفلاح والنجاة في قوله تعالى :{قد أفلح المومنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين .فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون . والذين هم لأمانتهم وعهدهم راعون . والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس همك فيها خالدون} (المومنون : 1- 11) . وتذكيرهم بأن المسارعة إلى الانضواء تحت جناح المغفرة هي التي تعصمهم من ازدواج الشخصية وتعمل على توازنها .وفي هذا يقول تعالى : {سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس . والله يحب المحسنين . والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون . أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين} (آل عمران : 133- 136) . وإذا تحققت في حياتهم هذه الدلالات والمعاني القرآنية فإنهم لاشك يقدمون القدوة الصالحة من أنفسهم للغرب تغير النظرة التي يحاول أذناب الصهيونية أن يثبتوها عن المسلمين جميعا بدون استثناء .من هنا يمكن ثانيا التحسيس بأن كل مقيم في الغرب يجب أن يقدم القدوة الصالحة بوصفه شخصية مسلمة لا تتحكم في سلوكياتها وتصوراتها سوى ثوابت يقينية نزل بها الوحي الإلهي وقررتها السنن الكونية والشرعية ، واضعا نصب عينيه أن الله تعالى يحث على الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن لإقناع المحيطين بنا بحقيقة تصوراتنا وطبيعة قضايانا التي من حقنا الدفاع عنها ودفع الآخرين لتبنيها . من هنا يمكن القول بألا نكتفي بالأحضان ومد الموائد الحاتمية للعائدين، وإنما يجب توعيتهم بأن دورهم لا ينحصر في تلقي العلم أو تحسين الدخل المادي في الغرب ، وإنما يجب أن يصب بالأساس في تقديم القدوة ثم فتح قنوات مختلفة للحوار والمجادلة والإقناع. فقد نستطيع آنذاك أن ننحت سبيلا مهما من سبل نصر الله إذا أخلصنا النية والعمل له سبحانه .
< الأديبة الدكتورة أم سلمى