معركة الصهيونية مع
الصحافة الأمريكية
المنظمات الصهيونية في الولايات المتحدة تخوض الآن معركة شرسة ضد بعض الصحف الأمريكية بهذا الخصوص, وتستخدم العديد من الوسائل وتمارس كل ماتملك من ضغوط لإجبار تلك الصحف على استخدام لغة معادية للفلسطينيين, تصف الفدائيين مثلا بأنهم إرهابيون وتعتبر الضفة الغربية أرضا متنازعا علىها وليست أرضا محتلة, وتصنف الاجتياح الإسرائيلي, للضفة بحسبانه دفاعا عن أمن إسرائيل وملاحقة للإرهابيين.. وهكذا! ورغم أن الإعلام الأمريكي في مجمله تحت الهيمنة الصهيونية القوية, إلا أن الفظائع التي جرت في الضفة الغربية مؤخرا لم يكن ممكنا التستر أو المداراة علىها بالكامل, وإزاء انفضاح الأمر عبر الفضائيات وعلى شبكات الإنترنت, فإن بعض الصحف الأمريكية أدركت أن سكوتها على مايجري أو التستر علىهيفقدها مصداقيتها, ناهيك عن أن حجم الجرائم أصبح أكبر مما يمكن إخفاؤه, إزاء ذلك فقد وجدت تلك الصحف نفسها مضطرة إلى تسجيل بعض جوانب الحقيقة, ورغم ان ذلك البعض كان شديد التواضع وعند الحد الأدني من الحياد, إلا أنه أثار ثائرة المنظمات الصهيونية والموالية لإسرائيل, التي شنت على الصحف حملة ترهيب شعواء, واتهمتها بِمُمَالأة الإرهاب والتحيز لصالح الفلسطينيين. في هذا الصدد بثت وكالة الأنباء الفرنسية في 2002/04/25 تقريرا قالت فيه إن مجموعة من النشطاء السياسيين اليهود في مدينة بوسطن بولاية ماساشوستش قاموا بحملة شعبية واسعة, للتأثير على الصحف والصحفيين لمنعهم من اتخاذ مواقف حيادية من الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني تحت عنوان (مكافحة التحيز لصالح الفلسطينيين)! وأعلنت هذه المجموعة يوم الاربعاء أول مايو يوما أمريكيا فيدراليا لمحاربة هؤلاء الصحفيين, ويتم فيه التركيز على مقاطعة صحيفة نيويورك تايمز بالذات لكونها تشهد تحولا خطيرا لصالح الفلسطينيين وينوون دفع المشتركين في الصحيفة إلى الاتصال بإدارتها في هذا اليوم والإعلان عن قطع الاشتراك فيها إلى الأبد أو لمدة شهر واحد على الأقل، ويقولون إنهم يطمحون للوصول إلى 100 ألف اتصال كهذا، حتى ترتدع الصحيفة وتدرك خطورة أفعالها. ذكر تقرير الوكالة الفرنسية أن نشاط هؤلاء اليهود يأتي ضمن حملة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة للترويج للموقف الإسرائيلي الرسمي, وهو ليس بعيدا عن التنسيق مع ممثلين رسميين لحكومة إرييل شارون وحزبه, وفي إطاره يرصدون وسائل الإعلام الأمريكية كلها, ويسجلون كل جملة تقال ضد إسرائيل وممارستها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني وقيادته, ويقومون بجمعها في موقع خاص في الإنترنت ويرسلونها إلى ملايين المواقع تحت عنوان: أقوال تخدم الإرهاب ويدعون قراءهم إلى عمل شيء سلمي ضد أصحاب تلك الأقوال ووسائل الإعلام التي تنشرها ويطلبون ولو رسالة احتجاج واحدة بل ينشرون نصا موحدا لهذا الاحتجاج بحيث لايشعر القاريء أنه يحتاج إلى بذل أي جهد لكي يعبر عن احتجاجه: ماعلىك إلا أن تضغط هنا, حتى تصل رسالتك إلى عنوانها!
اليهود ومؤسسة التصحيح الإعلامي في أمريكا
لم أكن أعرف أن اليهود الأمريكيين أنشأوا في أمريكا مؤسسة باسم التصحيح الإعلامي وهي واحدة من مؤسسات أخرى كثيرة تقوم بمهمة مراجعة محتويات الصحف وكل وسائل البث, ورصد ما فيها من معلومات أو إشارات تتجاوز ما تعتبره خطوطا حمراء في تغطية الأخبار والتقارير المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي, وبطبيعة الحال فإن أي تعبير لا يتبنى الموقف الإسرائيلي أو أن يشك في حياده يعد تجاوزا لتلك الخطوط, ويستتبع بالتالي إدراج الكاتب أو الصحيفة في قوائم سوداء تمهيدا لابتزاز وتهديد أي منهما. في 2002/04/30 نشرت الشرق الأوسط أنه في لوس انجليس أوقف ألف شخص اشتراكاتهم في صحيفة لوس انجليس تايمز لمدة يوم احتجاجا على ما اعتبروه تغطية غير دقيقة منحازة للجانب الفلسطيني وفي نيويورك ناشد الكثير من أعضاء الجالية اليهودية القراء بمقاطعة صحيفة نيويورك تايمز، أما في مينا بوليس، فقد اشترت منظمة تُدعى سكان مينيسوتا المناهضون للإرهاب صفحة كاملة في صحيفة ستار تريبيون اتهمت عبرها الصحيفة برفض إطلاق تسمية إرهابي على الفدائيين الفلسطينيين. وقال مايكل جيتلار, محقق الشكاوي في صحيفة واشنطن بوست أنه ظل يتسلم خلال الأيام الأخيرة مايزيد على مائة مكالمة ورسالة بريد إلىكتروني في اليوم يتهم معظمها الصحيفة بإجراء تغطية منحازة إلى الفلسطينيين, ومناوئة لإسرائيل, أما نيد ووريك, محرر الشئون الخارجية بصحيفة فيلادلفيا انكوبارار فقد ذكر أن الصحيفة تعرضت خلال الفترة الأخيرة لـ سيل من الانتقادات من الجالية اليهودية المحلية,. وقال إنه ظل يتسلم مابين100 و120 رسالة بريد إلىكتروني يوميا فيمايبدو أنه حملة دقيقة الترتيب ومتواصلة. أما ضغوط اللوبي الصهيوني على واشنطن بوست فإن الصحيفة أوفدت مندوبا خاصا إلى إسرائيل, جلين فرانكليل, ونشرت على صفحتها الأولى تقريرين إخباريين عن آثار الهجمات الفدائية على الإسرائيليين, لكي توازن بهما مانشرته الصحيفة، ذاتها عن الجرائم الإسرائيلية في جنين وبقية مدن الضفة الغربية, ومع ذلك فإن ذلك لم يغفر لها ما اقترفته حين تحدثت عن حقيقة مايجري في جنين, وظلت تتلقى يوميا مئات الرسائل الإلكترونية الناقدة لها, التي ذهب بعضها إلى حد اتهام محرريها بالعداء للسامية. من مفارقات المشهد وتداعياته أن بعض السفراء العرب في واشنطن أعدوا بيانا شرحوا فيه رؤيتهم للقضية العربية, واتفقوا على نشره كإعلان مدفوع الأجر في إحدى الصحف الأمريكية الكبرى, غير أن الصحيفة عجزت عن نشره, وأعادته في اليوم التالي إلى ممثل السفراء العرب, قائلة إن اللوبي الصهيوني علم بالأمر, وهدد ـ في حالة النشر ـ بسحب إعلانات من الصحيفة تفوق حصيلتها عشرات المرات قيمة صفحة إعلان السفراء العرب, قرأت الخبر في صحيفة القدس العربي التي أشارت إلى الواقعة دون تبيان اسم الصحيفة أو مضمون الإعلان.
هم مثابرون عاملون.. ونحن متخاذلون قاعدون
أثناء الاجتياح الإسرائيلي لمدن وبلدان الضفة الغربية, قامت شركة ميكروسوفت العالمية لإعداد برامج الكمبيوتر بحملة إعلانية في مختلف المدن الإسرائيلية, وتل أبيب في مقدمتها, حيث علقت لافتات كبيرة كتبت علىها بالبنط العريض, عبارة تقول: شكرا لقوات الأمن الإسرائيلية! ـ أثار الإعلان الناشطين العرب في مناطق48 وبعض الناشطين في حركة السلام الإسرائيلية, الذين دعوا إلى إزالة اللافتات المؤيدة للقتل بدم بارد, وقالوا في بيان أصدروه إن اللافتات بمثابة دعاية رخيصة وإعلان تأييد حرب الاحتلال التي يقودها شارون. لم يكن لتصرف شركة ميكروسوفت المعادي للفلسطينيين أي صدى في العالم العربي والإسلامي التي تروج فيه منتجاتها, وهذا الصمت ظل العالم العربي ملتزما به حين اتهم رئيس وزراء الهند فاجبابي العالم الإسلامي مؤخرا بالازدواجية, وحين تحدث وزير خارجية ألمانيا يوشكا فيشر عن الإسلام باستياء وضجر وشكك في قدرته على التطور, وحين لم تر مارجريت ثاتشر رئيسة وزراء بريطانيا في الإسلام إلا أنه مصدر للإرهاب وفاشية جديدة.. وحين وحين.. إلخ. إنهم يحاسبون شاعرا عربيا على كلمة قالها في امتداح فتاة فجرت نفسها فيمن أذل الفلسطينيين, واغتصب أرضهم, ويلاحقون كل صاحب قلم في الولايات المتحدة إذا عنَّ له مرة أن يكون منصفا, لكننا نغض الطرف عن الكثير الكثير مما ينال من عقيدتنا ويزدري بها, فضلا عن أولئك الذين لايملون من تحقير العرب والمسلمين وإثارة البغضاء والكراهيةمن حولهم. لست ألوم الذين يثابرون ويستنفرون للدفاع عن مصالحهم أو حتى باطلهم, فهم يقومون بما علىهم تجاه أنفسهم, لكن من يستحق اللوم حقا هو من يفرط في حقه ويتقاعس عن الدفاع عنه, ويَضِنُ على أمته بإسهام متواضع يدفع عنها بعضا من الشرور التي تستهدفها, إذ بأي معيار ينبغي ألا يستوي الذين يعملون بالذين لايعملون, ولا المثابرون والقاعدون.
بقلم : فهمي هويدي