…قدمت قناة 2M في الأسبوع الماضي سهرة Telethon من أجل تحسيس المغاربة بضرورة التبرع لمساعدة المعوقين.
شيء جميل أن تقوم القناة بهذه البادرة الطيبة، ولا نملك إلا أن نصفق ونهلل لها… لكن الأمر غير الجميل هو أن تقدم باللغة الفرنسية في جل مراحلها.
حتى ليظن المرء في البداية أنه أخطأ القناة وذهب إلى قناة فرنسية: فالمقدمة تتكلم بفرنسية يغبطها عليها (شيراك) والمعاقة التي جيء بها تتكلم أيضا بفرنسية سليمة، وحتى التي قدمت الأغنية الأولى معاقة وتغني بالفرنسية، وحتى الكورال كذلك، سبحان الله: فرنسية في فرنسية وأناقة وجمال في جمال وحتى الحاضرون كلهم (زوينين)، وتكاد تجزم بأنك تشاهد معوقين من بلاد الدنمارك او سويسرا أو غيرها من البلاد التي أنعمت على معوقيها… وكأني بمعدي السهرة يحاولون تفهيم الآخرين (وليس نحن لأننانفهم) بأن (كلشي زين) عندنا والحمد لله، فحتى معوقونا (زوينين – وموديرن) فلا حرج من ذلك… في إحدى لقطات الحوار، تطرح المذيعة أياها سؤالا بالفرنسية على الممثلة المصرية (سماح أنور) فتحاول هذه الأخيرة الجواب بفرنسية ركيكة، فتنقذها المذيعة من الورطة وتطلب منها بعد محاولاتها الفاشلة للجواب بالفرنسية، بأن تجيب (غير بالعربية) [هكذا واللهرضي الله عنه وكأن العربية (غير) لغة (شايطة) فلا بأس باستعمالها، وإن كانت ستفسد على القوم تلك الأجواء الرومانسية المفعمة بالفرونكوفونية التي حرص معدو السهرة على البداية بها…
كدت أن أنتقل إلى قناة عربية، لولا ظهور الصحفي “حميد ساعدني” الذي ساعدني فعلا على التأكد من أنني أتابع قناة مغربية عربية وليس قناة أجنبية. فحمدت الله وواصلت المتابعة لعلي أجد في مداخلاته وأجوبة الحاضرين ما يشير إلى خصوصية هذا البلد. فخاب ظني، فكل ما في الأمر أنما كان يروج باللغة العربية إنما كان ترجمة لما سبق أن قالته السيدة المفرنسة لا غير.
كلام جاف ولغة خشبية جافة لا تحس فيها بالحرارة والدفء الإيماني للمجتمع المغربي في مثل هذه الظروف المؤلمة…
تغييب تام ومقصود للخطاب الإيماني الإسلامي في معالجة موضوع لا يكاد ينفع معه سوى هذا الخطاب الإيماني لتحفيز الناس على البذل بسخاء لمساعدة إخوانهم المعاقين.
فالإحسان والبذل والعطاء والتكافل الاجتماعي… هذه المفاهيم لا يمكن أن تمرر وتؤثر في الناس إلا عبر الخطاب الإيماني الصادق.
والشعب المغربي عرف عبر العصور بأريحيته وبذله وسخائه في العسر واليسر بدافع إيمانه القوي بالله ورغبته في نيل الجزاء من الله على ما يقدمه من عون ومساعدة للمحتاجين فروح وفلسفة التكامل والتعاون تسري في روح الشعب المغربي المسلم منذ 14 قرنا، فلا مجال لأي خطاب آخر غريب عن هذه الأمة، خطاب نشاز منبث لا ينطلق من خصوصياتنا الدينية والحضارية. فالمغاربة أهل جود وبذل وعطاء، تعاموا ذلك من دينهم الحنيف ومن سنن نبيهم محمد [. وهم ليسوا في حاجة إلى من يلقنهم ذلك غير لغة فرنسية منمقة أصبح أهلها أنفسهم يزهدون فيها، ولا عبر خطاب علماني محنط لا يحرك قلوبا ولا يقدح إيمانا؟ !
فاللهم إنا نشكو إليك ضعف حيلتنا وهواننا على تلفزتنا وجهل أهلها، اللهم إنا نعوذ بك من لغة لا تنفع وخطاب جاف لا يدفع ولا يسمع.
عبد القادر البوكيلي