تتنزّلُ الضرباتُ الربانيةُ مباشرة يوم يعجِزُ عبادُ الله الصالحون تمام العجز عن إيقاف الطغيان، والحدِّ من كثرة الفساد والإفساد وإهلاك الحرث والنسّل، ويتضح ذلك من خلال الأمثلة التالية :
أ- عندما عجز سيدنا نوح عليه السلام عن مقاومة من لم يزده مالُه وولده إلا خساراً، ومكروا مكْرا كُبّاراً، دعا ربّه : {أنِّي مغْلُوبٌ فانْتَصِرْ} فكان الجواب من العزيز الجبار {فَفَتَحْنَا أبْوابَ السّماءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وفَجَّرْنَا الأرْضَ عُيُوناً فالْتَقَى المَاءُ على أمْرٍ قَدْ قُدِرَ وحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ ألَْواحٍ ودُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لمَن كان كُفِر ولَقَدْ تَرَكْنَاهاَ آيةً فَهَلْ مِن مُدّكِر فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى ونُذُرِ}(القمر : 15).
ب- عندما عجز لوط عليه السلام، وقال لقومه المفسدين {لَوْ أنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أوْ آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ} قال له الملائكة : {يَا لُوطُ إنّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَاسْرِ بِأهْلِكَ بِقِطْعٍ من اللَّيْلِ ولا يَلْتَفِتْ مِنْكُمُ أحدٌ إلاّ امْرَأتكَ إنّهُ مُصِيبُهَا ما أصَابَهُمْ إنّ مَوْعِدَهُم الصُّبْحُ، ألَيْسَ الصّبْحُ بِقَرِيب..}(هود : 80) وفي الصبح جاء التدمير الرباني الذي طوى المجرمين طيا.
نكتفي بهذين المثالين ونتساءل : لماذا أصبحت أشْرَفُ أمة تُكال لها الضرباتُ تِلْوَ الضّربات من كبار المجرمين بدون أن تثير شفقة أحد أو تستجلب عطفاً يُعتدُّ به في المحافل الدولية، مع أن الله تعالى يقول بعد نصره للمسلمين في بدر {ذَلِكُمْ وأنّ اللَّهَ موهّن كَيْدَ الكَافِرِين إن تَسْتفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُم الفَتْحُ وإن تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُم وإنْ تَعُودُوا نَعُدْ ولنْ تُغْنِي عَنْكُم فِئَتُكُم شَيْئاً ولوْ كَثُرَتْ وأنّ الله مَعَ المُومِنِين}(الأنفال : 29).
السبب يكمُن في أن المومنين من عهد نوح إلى محمد عليهما وعلى باقي الرسل السلام، قاموا بالواجب تجاه الرسالة التي كُلِّفوا بها خير قيام، وأصاب الوهن مسلمي أشرفِ أمة حيث تخلَّوا عن رسالتهم، وأصبحوا يلهثون وراء (الآخر) فكراً وثقافة وسياسة واقتصاداً وأسرة وعادة وتنميطاً لكل أشكال حياتنا كأننا لا رسالة لنا في هذه الحياة، بل غلا البعض من المتهافتين غُلوّاً كبيراً عندما بدأ يُعلن اعتزازه بالمروق والفسوق، ويتبرأ من هويته وكيانه ليحرز على الرضا من البشر، وجواز المرور إلى صَفِّ عُبّاد العجل والبقر ضاربين عرض الحائط بقول الله تعالى : {لا تَسْجُدُوا للشَّمْسِ ولا للْقَمَرِ واسْجُدُوا للّهِ الذِي خَلَقَهُنّ إنْ كُنْتُم إيّاهُ تَعْبُدُون}(فصلت : 36).
أفنعجب من الخيْبات التي نُصدَم بها في كل ميدان ونحن الذين أمرنا الله عز وجل بالاتحاد فتفرقنا، وأمرنا بالاعتصام بحبله وكتابه فاعتصمنا بمناهج الكفر وأهوائه، وأمرنا بابتغاء الآخرة فآثرنا الدنيا على الآخرة وعبَدْنا التّراب وتركنا اللّباب، وأمرَنا أن نكون أساتذة وأئمة نهدي البشرية بالحق ونعدل به، فتنكّرْنا للشرف الذي أُنيط بنا وآثرنا أن نكون أذيالا لدَوَابّ الأرض وأنعامها؟! من الملوم فيما وصلنا إليه من ترّدٍّ سحيق؟؟! المجرمون الذين وجدوا فراغاً لدينا في كل زاوية من زوايا كياننا فملأوه؟؟ أم جهالتنا بديننا وواقعنا وسُنَنِ ربنا؟؟ أم أهواؤنا التي حذّرنا الله تعالى من اتباعها؟؟ أم شياطيننا التي أخبرنا الله تعالى بأنها عدوّةٌ لنا حتى لا نستكين لمكرها؟؟.
الحقيقة الـمُرة هي أن اللوم لا يقع على أحد، وإنما يقع على أنفسنا بالدرجة الأولى، ومتى ما رجعنا إليها بالفحص والنقد والتوبة والإنابة وتصحيح الأخطاء كان الله معنا بالنصر والتأييد وتوهين كيد الكافرين.
إن تعليق أخطائنا على مشاجب الغير لا يفيدنا لا دنيا ولا أخرى، حتى الشيطان سوف يتبرّأ منّا يوم تُنصب الموازين الحق ويقول لنا : {فَلاَ تَلُومُونِي ولُومُوا أنْفُسَكُم}(ابراهيم : 22)