عقب أحداث 11 سبتمبر في كل من نيويورك وواشنطن وجد الجهاز المصرفي الإماراتي -والبنوك الإسلامية منه بوجه خاص- نفسه متورطا في الأحداث.. حيث اتهمت البنوك الإسلامية بأنها إرهابية تمول الإرهابيين، وفجأة أيضا وبدون سابق إنذار فوجئت كافة البنوك العاملة في الإمارات (49 بنكا محليا وأجنبيا) بقائمة بتجميد حسابات أكثر من (100) منظمة وشخص صادرة عن بنك الإمارات المركزي، بطلب من السلطات الأمريكية؛ بدعوى أنها لشخصيات ومنظمات إرهابية على حد وصف الأمريكيين؛ حيث جاء قرار إدراج “بنك التقوى” وشركة “البركات” التي تتخذ من دبي مقرا لعملياتها ليزيد من حملات التشويه التي يتعرض لها الجهاز المصرفي الإماراتي، على حد قول محافظ بنك الإمارات المركزي “سلطان بن ناصر السويدي” الذي أكد أن البنوك الإسلامية في منطقة الخليج تتعرض لأسوأ حملات التشويه حاليا باتهامها بتمويل الإرهابيين.
النفي غير كاف!!
من الواضح أن البنوك الإسلامية التي نجحت طوال العقدين الماضيين في ترسيخ أقدامها على الساحة المصرفية العالمية لتقديم الفكر الإسلامي في مجال المعاملات الإسلامية ستعود إلى سابق عهدها وأوائل مراحل النشأة عندما حوربت أشد المحاربة من الداخل والخارج، بل إن هناك من أكد من الخبراء الاقتصاديين لـ”إسلام أون لاين.نت” أن البنوك الغربية بدأت التحفظ في عملياتها مع البنوك الإسلامية منذ أحداث 11 سبتمبر، وتوجيه الاتهامات إليها بالتعامل مع الإرهابيين.
فقد وجد بنك دبي الإسلامي -أقدم البنوك الإسلامية في المنطقة (تأسس عام 1975)- نفسه من بين 49 بنكا -منها ثلاثة بنوك إسلامية في الإمارات- في مهب رياح الأزمة؛ على اعتبار أن لديه حسابات لعدد من المتهمين في أحداث تفجيرات نيويورك وواشنطن مثل حساب لـ”محمد عطا” المتهم الرئيسي في الأحداث، والمواطن الإماراتي “مروان الشحي”، والسعودي “أحمد الحساوي”، غير أن رئيس البنك الذي يشغل في الوقت ذاته منصب وزير الدولة لشئون المالية والصناعة في الإمارات د.”محمد خلفان بن خرباش” أكد أن لا علاقة لبنك دبي الإسلامي بهذه الحسابات، وأن البنك لا يتعامل مع منظمات مشبوهة.. لكن يبدو أن نفي إدارة بنك دبي الإسلامي لم يحل دون قيام البنك المركزي -وبطلب من السلطات الأمريكية- بتشديد الرقابة على كافة تعاملات البنوك الإماراتية، وإرسال ما يسمى بـ”تعاميم” تحمل صيغة التهديدات بإيقاف وإغلاق أي بنك أو شركة صرافة تتعامل مع أي شخص أو منظمة ورد اسمها في قائمة الحسابات الإرهابية، وزاد البنك المركزي من تعليماته لشركات الصرافة -التي أُغلق منها حتى الآن اثنتان- بضرورة قيام كل شركة صرافة بتسجيل بيانات مفصلة وشاملة لكل من يقوم بتحويل أكثر من ألفي درهم، وإرسالها إلى البنك المركزي.
حملة للتشويه
ويبدو أن البنوك الإسلامية تتعرض لعمليات تضييق ستؤثر على نطاق عملياتها الواسعة، خصوصا أن الجهاز المصرفي الإماراتي ظل يتفاخر بأنه يتمتع بقدر كبير من المرونة في التعاملات والسهولة في فتح الحسابات المصرفية دون قيود؛ ففي الوقت الذي تضع بنوك عديدة في دول عربية قيودا لا حصر لها لفتح حسابات للأفراد، فإن بنوك الإمارات تتميز بأن بمقدور أي فرد فتح حساب شخصي في لحظة واحدة وبدون قيود أو شروط، لكن اختلف الوضع الآن وبات الوضع الجديد يهدد بخفض ربحية البنوك العاملة.
والسؤال الذي يشغل المصرفيين في الإمارات الآن هو: هل تؤثر عمليات التشويه الإعلامي التي تتعرض لها بنوك الخليج وخصوصا البنوك الإسلامية على أدائها؟ وهل تتعرض البنوك الإسلامية عموما -التي يبلغ عددها قرابة 176 بنكا- لحملات مشابهة لتك التي تعرضت لها عند نشأتها في السبعينيات والثمانينيات؟.
طرحت مثل هذه التساؤلات على محافظ بنك الإمارات المركزي “سلطان بن ناصر السويدي” الذي يقول في تقييمه لما يجري: إن الجهاز المصرفي في الإمارات ودول الخليج يتعرض لحملة إعلامية تحاول تشويه صورته، خصوصا صورة البنوك الإسلامية، “وحتى الآن لا نعرف هدف هذه الحملة؛ ذلك أن المصرف المركزي في الإمارات يتعامل بشفافية تامة ويتم الإفصاح عن كل شيء”، ويتساءل المحافظ قائلا: “لماذا تُلام الإمارات على تحويلات جرت قبيل وقوع الأحداث ولا تُسأل جهات سمحت للذين قاموا بالتحويل والتدريب بفتح حسابات في الولايات المتحدة وإجراء التحويلات إلى الإمارات؟”.
فحسب عمليات التدقيق والمراقبة التي خضعت لها كافة البنوك العاملة في الإمارات محلية وأجنبية فقد وجد أن هناك حسابا لدى بنك “سيتي بنك” باسم “محمد عطا” الذي تعتبره السلطات الأمريكية المتهم الرئيسي في التفجيرات الأخيرة، غير أنه وُجد أن البيانات الخاصة بصاحب الحساب مختلفة تماما عن “محمد عطا” المقصود، كما أن الحساب الخاص بالمتهم الإماراتي “مروان الشحي” لم يشهد أية حركة تعاملات عليه منذ فترة طويلة وجرى إغلاقه بشكل تلقائي.
الخوف من التجميد
ويبدي المسئولون في السلطات النقدية والمالية الإماراتية تخوفا من أن تُدرج البنوك الإماراتية والخليجية خصوصا الإسلامية منها ضمن قوائم البنوك والشركات التي تحظر أمريكا التعامل معها، أو يتم تجميد حساباتها في الخارج على غرار ما حدث لبنك التقوى وشركة البركات، وفى حال حدوث ذلك فسوف تُمنى البنوك الخليجية بخسائر باهظة؛ ذلك أن أكثر من 30% من أصولها يتم استثمارها في الخارج.
كما يخشى المصرفيون الإسلاميون من أن تؤدي الحملات الإعلامية الغربية التي تقودها وسائل إعلام دولية بدعم من السلطات الأمريكية والغربية إلى عرقلة مسيرة البنوك الإسلامية، وأن تشوه من الإنجازات التيحققتها على مدى العقدين الماضيين؛ فقد ذكرت دراسة لصندوق النقد الدولي عن البنوك الإسلامية : أن البنوك الإسلامية انتشرت في 48 دولة تمثل ثلث دول العالم الأعضاء في الصندوق، وأنها خرجت من نطاقها الطبيعي في أسواق الدول الإسلامية إلى أسواق الدول الأخرى. كما أشارت إحصائيات الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية إلى النمو السريع للبنوك الإسلامية خلال عقدين من الزمن؛ حيث كان عددها في نهاية السبعينيات 5 بنوك فقط، وصلت إلى 176 مصرفا إسلاميا بنهاية عام 1998، بإجمالي أصول قدرها 176 مليار دولار، وإجمالي إبداعات قدرها 112 مليار دولار، وحقوق مساهمين أكثر من 7 مليارات دولار، وبمعدل نمو بلغ 15% سنويا.
ورغم هذه الإنجازات فإن إدارة البنوك الإسلامية بدت خائفة من احتمالات تعرضها لضرر من قبل السلطات الأمريكية؛ الأمر الذي دفع إدارة بنك دبي الإسلامي إلى إصدار بيان ينفي فيه أية علاقة للبنك مع تنظيمات إرهابية، على الرغم من أن البنك أوضح ذلك عقب توجيه الاتهام إلى البنوك الإماراتية، لكنه الخوف الذي يسيطر على الجهاز المصرفي من أية تداعيات أخرى.
وكما يقول د.”محمد بن خرباش” فإن بنك دبي الإسلامي وكافة البنوك الإسلامية العاملة في الإمارات لم تحتفظ قط بأية حسابات بأسماء إرهابيين مشتبه بهم، وأن البنوك الإسلامية ملتزمة بعدم السماح باستخدام الخدمات المالية للبنوك من قبل أية أنشطة غير قانونية؛ تمشيا مع مبادئ الشريعة الإسلامية التي تمنع وتحرّم دعم الأنشطة غير الأخلاقية أيا كان نوعها. كما أن بنك دبي الإسلامي يحتفظ بعلاقات تجارية قوية مع السلطات الدولية، وتتم كافة معاملات البنك خارج دولة الإمارات بالدولار الأمريكي عن طريق بنكه المراسل “بنك تشيس مانهاتن” في نيويورك، وتساهم حكومة دبي بشكل رئيسي في رأسمال البنك؛ ومن ثم فإن كافة المعاملات المالية للبنك تخضع بشكل كامل للسياسات والتوجيهات التي تضعها السلطات المختصة لمحاربة أية علاقة محتملة مع إرهابيين أو علاقات مرتبطة بغسيل الأموال، علاوة على أن البنك يخضع لرقابة شديدة من قبل البنك المركزي الذي يتبع اللوائح والأنظمة التي وضعها النظام المصرفي الدولي.
الجمعيات الخيرية.. إرهابية!!
ولم يقتصر الأمر على التحريض على البنوك الإسلامية، ولكن امتد الأمر إلى الجمعيات الخيرية الإسلامية؛ حيث بدت مظاهر الخوف واضحة في الأيام الأخيرة عندما شددت كافة السلطات الخليجية من قبضتها على عمل الجمعيات التي كانت تمارس نشاطاتها الخيرية من تلقي التبرعات وجمع الزكاة دون قيود أو ضغوط.
بل إن البنوك قامت هي الأخرى -بضغط من البنوك المركزية الخليجية- بتشديد الرقابة على مصادر حسابات الجمعيات الخيرية، وتأتي هذه الإجراءات تحت تأثير الخوف من قيام الولايات المتحدة بإدراج بنوك أو مؤسسات خليجية على قائمة التجميد، خصوصا أن هناك عددا من رجال الأعمال الخليجيين المعروفين بدعم الأعمال الخيرية من طالته القائمة الأمريكية.
تحد من نوع جديد
وثمة تخوف آخر نتج عن الاتهامات الأمريكية للبنوك الإسلامية، وهو أن عددا من البنوك التجارية التي كانت تتهيأ لفتح فروع لمعاملات إسلامية اضطرت إلى تأجيل اتخاذ قرارها بعد الاتهامات الأمريكية وتحت وقع الخوف من أن تطالها الحملة، وحسب المعلومات المتوفرة لدينا فإن أحد البنوك التجارية في الإمارات كان قد انتهى بالفعل من إعداد دراسة جدوى لفتح فرع للمعاملات الإسلامية في ضوء الإقبال المتزايد من جانب الجمهور للتعامل مع البنوك الإسلامية، غير أنه قرر تجميد مطلبه إلى أجل تحت ضغط الحملة التي تتعرض لها البنوك الإسلامية على وجه التحديد.
بعد اجتماعها في إبريل الماضي بالإمارات لمناقشة تحديات العولمة وفتح الأسواق أمام البنوك الأجنبية، وجدت المصارف الإسلامية نفسها بعد أحداث 11 سبتمبر أمام تحد من نوع جديد أشبه بما واجهته في البارحة عندما تكتلت معطيات خارجية وداخلية لضرب فكرة العمل المصرفي الإسلامي في الصميم.. فهل تتمكن البنوك الإسلامية من الصمود في وجه الرياح العاتية التي ربما تكون أقسى من سابقتها؟!.
احمد حسين
إسلام أون لاين