…. لبى شيخ المجاهدين أحمد ياسين نداء ربه شهيدا مقبلا محتسبا غير مدبر كما كان يتمنى دائما، استشهد الشيخ المجاهد الرباني إذا وهو على كرسيه المتحرك بعيد خروجه من المسجد عقب صلاة الصبح، باغتته ثلاثة صواريخ إسرائيلية غادرة في أبشع وأشنع وأجبن عملية إرهابية لم يعرفها التاريخ من قبل، ترى ما قول منظمات حقوق الإنسان والمنتظمات الدولية وقد صمت آذاننا بتباكيها على انتهاك حقوق الإنسان بل وحتى الحيوان …؟!!
ماذا تراها تقول أمام مشهد كرسي متحرك للشيخ الجليل المقعد وقد اخترقته صواريخ الغدر والخسة وحولته إلى قطع متناثرة يغطيها دم الشهيد القائد الطاهر الزكي ليشهد به أمام التاريخ على واحدة من أبشع تراجيديات الإرهاب الرسمي الصهيوني في زمن الذلقراطية الأمريكية، إرهاب أعمى يزكيه ويغذيه بغاة وطغاة أمريكيون يدعون أنهم جاؤوا يعلمون العالم أصول الديموقراطية وأبجديات التمدن والحضارة واحترام حقوق الإنسان فملأوا من أجل ذلك العالم ظلما وجورا ودماء وأشلاء كان للمسمين نصيب الأسد منها.
استشهد الشيخ الوقور شاهدا بدمه وروحه الطاهرة على صدق دعوته واستماتته في الدفاع عن مقدسات الأمة نيابة عن نيامها ومغفليها مخلفا وراءه مدرسة راقية في أدبيات المقاومة الشريفة والجهاد والاستشهاد لإعلاء كلمة الله تعالى من أجل كرامة الأمة ومقدساتها ومبادئها السامية.
استشهد الشيخ القائد ولم يمت، فما مات من خلف وراءه جيلا من المجاهدين والعلماء الأتقياء وقدم بين يديه جيلا آخر من الشهداء والشهيدات الأبرار وما أراهم اليوم إلا فرحين مستبشرين بقدوم شيخهم المجاهد وما أراهم إلا جلوسا على “سرر متقابلين” في ضيافة الرحمن، تحفهم الملائكة بأجنحة الرحمة والسكينة والوقار.
فالشيخ أحمد ياسين لم يمت وإنما الذي مات هو الضمير الرسمي العربي والإسلامي ومعه مات ضمير الأحزاب والمنظمات العربية والقومية التي لم تعرف إلا عن طريق المتاجرة بالقضية الفلسطينية أيام كان يتخذها بعض المرتزقة سلما للتألق بمظهر المناضل أمام الجماهير العربية والإسلامية المنبهرة بالشعارات الفارغة والوعود الكاذبة، أما منظمتنا الإسلامية فكان الله في عونها فما زالت تحاول صياغة بيان الإدانة والشجب لما حدث (إلى غاية كتابة هذه الكلمات) فحتى الأوروبيون انتفضوا لهول ما حدث فأدانوا العملية الوحشية بدرجات متفاوتة .فالرئيس الفرنسي شيراك أدان عملية اغتيال الشيخ ياسين -دون تحفظ- معتبرا إياها غير قانونية في حين اعتبرها “جاك سترو”وزير خارجية بريطانيا الحليف التقليدي لإسرائيل :عملية خارجة عن القانون وغير مبررة” “unjustified” ونفس الشيء عبر عنه(سولانا) الناطق الرسمي باسم المجموعة الأوروبية كما أدانت العملية العديد من الصحف الإسرائيلية والغربية على حد سواء إذ قالت صحيفة( يدعوت) : “إن العملية لن تورث إلا المزيد من القتل والدمار في إسرائيل”.
العملية الإرهابية جاءت في توقيت مدروس بعناية، جاءت بعيد لقاء شارون بالعاهل الأردني وقبل انعقاد مؤتمر القمة العربية بتونس، وفي ذكرى معاهدة “كامب ديفد” وقد كان وفد مصري على أهبة السفر لإسرائيل للمشاركة في الاحتفالات.
تزامن عملية الاغتيال مع كل هذه المواعيد والمحطات يعطي انطباعا واحدا وهو استخفاف الإرهابي شارون بالقادة العرب وبمؤتمراتهم وتجمعاتهم لأنه يعلم علم اليقين أنهم لن يمنعوه أو يردعوه وقديما قال الشاعر :
ما كانت الحسناء لتضع خمارها
لو أن بالجموع رجال
ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.