في يوم الخميس ثامن ذي القعدة شيع إلى دار البقاء جمهور كبير من العلماء والفقهاء والدعاة والوعاظ والأساتذة والمثقفين وآخرين من مختلف شرائح ساكنة فاس وغير فاس، الفقيه الكبير والعلامة الجليل والواعظ التقي، والشيخ المجاهد سيدي أحمد الحجامي رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح جناته، مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين.
لقد كان الفقيه الفقيد نموذجا يقتدى في كل أمور الدين والدنيا، لكل من عرفه، أو زاره على الأقل زيارة خفيفة.
- كان الفقيد رحمه الله إذا زرته لأول مرة، يسألك أولا وبكل بشاشة وترحيب عن اسمك ونسبك وعملك، عملا بالسنة المطهرة المعروفة في هذا الباب.
- كان رحمه الله لا يترك فرصة تمرـ حتى وإن لم تسأله ـ دون أن يثير قضايا للنقاش بهدف المعرفة والاستفادة للجميع.
- أما إن سألته فقد كان بحرا يفيض علما ومعرفة، تدقيقا وتحقيقا وإجابة، وحرصا على إدراك الصواب في الإجابة، وموافقة الشرع في كل الأمور.
- كان رحمه الله، لا يخاف في الله لومة لائم، لا يهمه المال ولا الجاه، ولا السلطة، ولا السمعة ولا أي شيء من أمور الدنيا.
- كان رحمه الله، يوصي كل من لقيه بتقوى الله والتمسك بحبل الله المتين وابتغاء مرضاة الله في كل عمل يقوم به الإنسان، حتى ينال الثواب والأجر. ويكون من عباد الله المخلصين.
- كان رحمه الله ـ وكما ذكر ابنه في تأبينه الذي رباه على نهجه وسلوكه ـ مجتهدا في العبادة، غير مقصر في أي شيء، صواما قواما، ذاكرا لله، تاليا لكتابه آناء الليل وأطراف النهار، وظل على ذلك حتى وافاه الأجل المحتوم وذهب إلى لقاء ربه.
- كان رحمه الله ـ وهو الشيخ المسن الكفيف البصر والمجاهد بن المجاهد ـ واعيا بقضايا الأمة متتبعا لأحوالها، متألما لأوضاعها، داعيا لها بما يدعو لها به المخلصون من أبنائها، من العودة إلى الله، والتئام الشمل، والنصر على الأعداء.
- كان رحمه الله، يقينا، أكثر مما عرفناه، لأنه لم يكن من المرائين ولا من الذين يؤثرون العاجلة على الآجلة. ولا من الذين يصانعون الناس، ولا من الراغبين في الجاه والسمعة، ولا من الذين يتملقون أو ينافقون، ولا من الذين يقدمون مصالح الدنيا على الدين… ولم يكن أي أحد من هؤلاء ولا ممن شابههم أو قاربهم أو ماثلهم أو حذا حذوهم.
لم يكن رحمه الله من أولئك الذين تهمهم الزعامات والقيادات والألقاب ولا من الذين يفتون الناس بغير علم أو بدافع الهوى أو بدافع السياسة، فيحلوا ما حرم الله أو يحرموا ما أحل الله، كما فعل من أفتى بأن حجاب المرأة المسلمة واجب عليها في ديار الإسلام لا في غيرها، وأن فرنسا على حق فيما فعلته. مع ما يحمله هؤلاء المفتون من ألقاب المشيخة الكبرى لمؤسسة عظمى… ولكن هيهات…
يكفي فقيدنا رحمه الله الألقاب التي وصفه بها محبوه ممن ساروا في جنازته وممن لم يتيسر لهم ذلك، فهو العابد التقي الزاهد الورع…
حضرني هذا وأكثر بعد صلاة الجنازة، وأنا أستحضر الدعاء، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته. فقلت لولا السنة، ولولا أن أمور الغيب لله سبحانه وتعالى، لدعوت “اللهم إنه محسن فزد في إحسانه”.
ولكني تذكرت بعد ذلك الأثر الذي ورد فيه -في ما معناه – بأنه من شهد له بالإحسان مجموعة من المؤمنين كان كما شهدوا وتذكرت قوله : “من رأيتموه يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان”، ولقد كان رحمه الله من عمار بيت الله المعتادين له حتى وهو شيخ مسن، حتى وهو مريض عليل.
فاللهم ارحمه.
اللهم إنه محسن فزد في إحسانه.