الجامعة المغربية في خطر فهل من سبيل إلى إنقاذها؟


تعيش الجامعة المغربية أزمة حقيقية واضطرابا في الرؤية والمنهج والوظيفة, شأنها في ذلك شأن جميع مؤسساتنا التربوية والتعليمية الأخرى. وتزداد هذه الأزمة حدة وسوء هذه الأيام في ظل ما يسمى من قبل الجهات الرسمية والدوائر الحكومية المتنفذة ب (الإصلاح الجامعي)ل

مبدئيا لا أحد من الغيورين على التعليم في بلدنا عامة والتعليم الجامعي خاصة يجادل في أن الإصلاح التربوي عموما: مادة ومنهاجا, قلبا وقالبا, أهدافا ووسائل, أطرا ومباني, واجب شرعي وضرورة واقعية وحاجةمجتمعية, ومطلب حضاري

إلا أنه يتحتم علينا قبل الخوض في أي خطط إصلاحية أن نطرح على أنفسنا السؤال التالي: أي إصلاح نريد؟ ما منطلقاته وما أهدافه؟ ومن هو المؤهل لإحداث إصلاح تعليمي تربوي جامعي هادف؟ل

هل الإصلاح الذي يريده الشعب المغربي المسلم إصلاح على الطريقة الأمريكية والصهيونية, التي أثبتت الأيام عداءهما الشديد للدين والعروبة والقيم الإسلامية الإنسانية العادلة؟ل

وهل هو يا ترى الإصلاح الذي ينطلق من منطلقات الآخر المناهضة لمنطلقاتنا الدينية والحضارية والموضوعية والذاتية؟ل

وهل هو أيضا الإصلاح الذي يهدف إلى صياغة إنسان كما تريده أمريكا زعيمة الاستكبار العالمي. إنسان يرضى بالدنية في دينه وعرضه وعقله وماله ووطنه وأمته, إنسان يصبح عميلا وفيا لأمريكا وبنتها المخنثة إسرائيل وحلفائها في العالم, بدعوى أن الإسلام دين تخلف, وأن الحضارة هي حضارة الغرب أو هي بالأحرى حضارة أمريكا وأبناء القردة والخنازير. هذه الحضارة التي سقطت شعاراتها المزيفة وأصبحت شعوب العالم بأسره ترفضها, وتكن لها العداء لما تحمله في طياتها من غطرسة وظلم وطغيان وتجاوز للقوانين الدولية والقيم الإنسانية, والخصوصيات الحضارية والدينية للأمم والشعوب قصد أمركة القيم والمبادئ وعولمة حضارتها الممسوخة

وأخيرا هل الإصلاح الذي يريده المغاربة إصلاح يرسم خططه وأهدافه, ويحدد استراتيجيته ورؤيته, ومادته ومنهجه, أناس يتنكرون لهوية الشعب المغربي المسلم وحضارته وعاداته. أناس يعملون اليوم كل ما في وسعهم لإرضاء الشيطان الأكبر على حساب الله الأكبر ومصالح الشعب وخصوصياته الدينية والحضارية رغما عن أنفه, رغبة، في نيل الرضى والحصول على شهادة حسن السيرة من هذا الشيطان العالمي وأذنابه في الداخل والخارج

إن الإصلاح الحقيقي الذي يريده المغاربة لتعليمهم الجامعي وغير الجامعي, هو الإصلاح الذي ينطلق من دينهم وقيمهم وحضارتهم, ويهدف إلى غرس مبادئ الحرية والعزة والكرامة في نفوس المتعلمين, ويعمق الشعور بالاعتزاز بهذا الدين وقيمه, ويدفع الفرد إلى العمل من أجل إقامته في كل مجالات الحياة الخاصة والعامة

إنه الإصلاح الذي يصوغ الإنسان صياغة تجعل منه إنسانا صالحا مصلحا خادما لدينه وبلده وشعبه وأمته

وأي إصلاح لا يخدم هذا الهدف فهو إصلاح فاشل لن يكتب له النجاح, ولن يقبله الشرفاء من هذا الشعب, وسيكون وصمة عار في جبين المسوقين له في هذه الأيام سواء كانوا أساتذة أو إداريين أو حكوميين

وكان من الواجب على صناع القرار في بلدنا ومنفذي القرارات التي تمليها عليهم سياسة التبعية للغير ويمليها عليهم صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات المالية العالمية الكبرى التي تهدف إلى إفراغ التعليم في أوطاننا العربية والإسلامية من كل ما له صلة بالإسلام, عقيدة وأخلاقا وشريعة ومنهاج حياة, وكل ما له صلة بالعزة والكرامة والحرية والاستقلال, وبامتلاك عناصر القوة والتمكين والسلطان. وكان حري بهؤلاء قبل تنفيذ إصلاحهم المشئوم أن يجروا استفتاءاً شعبيا حول الإصلاح الذي يريده الشعب المغربي المسلم.  وعلماؤه المخلصون ومثقفوه الشرفاء, لأنه إصلاح يستهدف الشعب عموما ولا يستهدف أبناءهم. لأنهم لا يدرسون مع أبناء الشعب المسكين في المؤسسات التعليمية العامة. فأبناء هؤلاء يتابعون دراستهم في أوربا وأمريكا

إن المتأمل في الإصلاح المقبل الدارس لميثاق التربية والتكوين دراسة علمية دقيقة يكتشف أنه إصلاح يهدف إلى إفساد ما تبقى من جوانب الصلاح في المسألة التعليمية عامة , والتعليم الجامعي خاصة, لا إلى إصلاحها, وأضرب لذلك أمثلة للاستدلال على ما أقول:ل

1- المقررات المقبلة التي يعتزم تنفيذها في بداية الموسم الدراسي في السنوات الأولى في الجامعة المغربية وخاصة في كليات الآداب وفي جميع الشعب باستثناء شعبة الدراسات الإسلامية, مقررات خالية تماما من أي شيء له علاقة بالإسلام وشرائعه وعلومه. إذ إن ما كان يدرسه أساتذة شعبة الدراسات الإسلامية لطلاب الشعب الأخرى من مواد إسلامية تم حذفها وإلغاؤها, بدعوى عدم ملاءمتها لسوق الشغل. وهو المصير الذي ينتظر شعبة الدراسات وشعب أخرى في المستقبل القريب تدريجيا

والغريب في الأمر أن الكثير من الأساتذة الجامعيين لم ينتبهوا إلى خطورة هذا الأمر على مستقبل الجامعة المغربية وخريجيها وعلى مستقبل هوية الشعب المغربي

2- الكليات النموذجية التي ستبدأ أعمالها الموسم الدراسي المقبل, نصيب أساتذة الدراسات الإسلامية فيها لا يتعدى أستاذا واحدا من أزيد من ستين أستاذا في مختلف التخصصات والشعب

والدليل على هذا أن الكلية التي ستفتتح بتازة استقبلت أكثر من ستين أستاذا. منهم أستاذاً واحداً خريج شعبة الدراسات الإسلامية

3- البنية التحتية للمؤسسات الجامعية بنية قديمة لا تقدر على استيعاب طلابها حتى قبل هذا الإصلاح. أما في ظله فإن بعض الكليات ككلية الآداب بالجديدة قامت بعملية إحصاء عدد طلاب السنوات الأولى للسنة القادمة وتوزيعهم على  قاعات الكليات, فوجدت أن تطبيق الإصلاح يلزمها باستمرار الدراسة طيلة أيام الأسبوع باستثناء الأحد. من الساعة الثامنة صباحا إلى الساعة السابعة مساء دون انقطاع, ومع ذلك فقاعات المؤسسة الجامعية لن تكفي لاستيعاب الطلاب, هذا فضلا عن قلة الأطر والأدوات والأجهزة الضرورية للتدريس والتي جلها غير متوفر تماما

وعلى هذا الأساس فإن تنفيذ الإصلاح في هذا الواقع يعتبر ضربا من الخيال, والدفع في تطبيقه في هذه الحال يفسد أكثر مما يصلح

4- الأستاذ الجامعي في إطار الإصلاح القادم, أصبح لا يحمل من الكرامة ومقومات الأستاذية إلا هذا الاسم, ورغم ذلك فإنه سيجرد منه, فيصبح بدل أن يكون أستاذا مربيا يؤدي رسالة التربية والتعليم والبحث العملي فإنه سيصبح عاملا مستخدما, كما نص على ذلك القانون الجديد الذي صادقت عليه الحكومة وخرج مرسومه بالجريدة الرسمية, وهكذا يصبح أساتذة التعليم الأساسي والإعدادي والثانوي أفضل حالا من الأستاذ الجامعي. فهؤلاء أساتذة موظفون لدى الدولة ينطبق عليهم قانون الوظيفة العمومية. أما الأستاذ الجامعي فسيصبح عاملا لدى عميد الكلية أو رئيس الجامعة يصنع به ما يشاء, مما يفقده كرامته واستقلاليته كأستاذ بذل جل عمره في الدراسة والتدريس

5- ما صنعه -قبل أسابيع- المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي, حيث عين 13 استاذا جامعيا يمثلون النقابة في المؤسسات الجامعية. و من بين هؤلاء الأساتذة الثلاثة عشر أحد عشر أستاذا من حزب الاتحاد الاشتراكي, وكأن الجامعة المغربية يملكها هذا الحزب وله الحق في التصرف في أمورها كما يحلو له, لأن حق الملكية يخول للمالك التصرف في ملكه  بحرية واستقلال

إلى غير ذلك من الأمثلة الخطيرة التي يطفح بها كيل هذا الإصلاح, والواحد منها كفيل بالوقوف  صفا واحد في وجه إي إصلاح شأنه هكذا

والمتتبع للواقع الجامعي هذه الأيام يلحظ وجود بوادر رفض متزايدة, تدعو إلى مقاطعة الإصلاح المقبل ورفضه, وقد تجلى ذلك في الإضراب الجهوي الذي نفذه المكتب الجهوي لنقابة التعليم العالي بجامعة فاس

وكذلك الإضراب الذي دعا إليه المكتب الجهوي بجامعة عبد الملك السعدي بمراكش يومي: 25-26 /05/2003. ويحث فيه الأساتذة الجامعيين على مقاطعة الإصلاح وعدم التعامل معه, والعمل من أجل توحيد الجهود الرافضة له بالتنسيق بين المكاتب النقابية المحلية والجهوية قصد تفعيل المقاطعة وتصعيد النضال

- وكذلك الإضراب الذي دعا إليه المكتب النقابي الجهوي لجامعة مولاي إسماعيل وتم تأجيله  إلى حين.

والمطلوب اليوم هو تصعيد حملة المقاطعة والرفض لهذا الإصلاح والعمل على نشر الوعي في صفوف الأساتذة الجامعيين بخطورة ما ينتظر الجامعة مستقبلا في ظل الإصلاح المراد

والدفع في أفق تنسيق وطني بين المكاتب الجهوية لجميع الجامعات المغربية قصد تفعيل المقاطعة والرفض لإصلاح معظمه إفساد للقيم والمبادئ, وإقبار للهوية وترسيخ للتبعية العمياء

إن قضية التربية والتعليم في بلدنا اليوم يراد بها السوء لا الإصلاح الحقيقي المطلوب شرعا وواقعا ومجتمعا, والواجب على كل الغيورين من أبناء الشعب أفرادا وهيئات مدنية وغيرها وفي مقدمة هؤلاء العلماء والمثقفون الشرفاء أن يبذلوا كل ما في وسعهم من أجل إيقاف هذا الزحف المسمى بالإصلاح والعمل الجاد قصد إيجاد إصلاح حضاري بديل لكل الإصلاحات التي لم يكتب لها النجاح بسبب فقدانها الشرعية وعناصر الصلاح المنشود لدى الشعب المغربي المسلم

ذ. محمد الأنصاري

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>