يمر المسلمون اليوم بمحنة عسيرة، هي بمثابة امتحان لهم بدون شك، وقد تعود المسلمون -منذ أكرمهم الله عز وجل وجعلهم خير أمة أخرجت للناس- على تحقيق الانتصار ما تهيأت الشروط لذلك، واعتصموا بحبل الله ونصروه وتمسكوا بالعروة الوثقى التي تجمعهم وتوحد كلمتهم. وقد أدرك علماء الأمة وأدباؤها الملتزمون بقضاياها ما للدعوة والجدل بالتي هي أحسن، وما للكلمة الطيبة، والتوعية الصادقة من أدوار كبيرة في زرع القيم الإنسانية في النفوس، وغرس الأخلاق الفاضلة بين الفئات الاجتماعية، والسعي إلى نبذ الفرقة والخلاف، وضمان حقوق الناس. وقد برز عدد كبير من المفكرين والمصلحين في مختلف العصور الإسلامية، مشرقا ومغربا، عملوا ما في وسعهم، كل بطريقته ووسائله وجهوده في توعية مجتمعاتهم، ودعوتهم إلى الارتباط بالله في السر والعلن، في السراء والضراء.
وقد اضطلع الأدب باعتباره فنا جميلا، ولاسيما الشعر الذي يعد ديوان العرب، بهذه المهمة، وأدى وظيفته النبيلة في الارتقاء بالنفوس، فضلا عن تهذيب الأذواق وصقل المواهب، حتى إنه ليمكن تصنيف مجموعة من النصوص الإبداعية في قمة الأدب الإنساني الذي يصدر عن النفوس المؤمنة المتشبعة بالرؤية الإسلامية الشمولية التي تسعى لإسعاد الانسانية جمعاء.
ومن هذا المنظور يأتي اسم عمر بهاء الدين الأميري في المقدمة بالنسبة للعصر الحديث، فهو شاعر الإنسانية المؤمنة بحق، لأسباب كثيرة لا يختلف فيها الدارسون حين يقفون على شعره ويحللونه. ويعد شعره أصلح مادة للجانب التطبيقي في الأدب الإسلامي ومنهجه في الدراسة والنقد، انطلاقا من أول دواوينه، وهو ( مع الله) إلى آخر إنتاجه رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
لماذا ديوانه ( مع الله)؟
لقد أصدر الشاعر بهاء الدين الأميري ديوانه (مع الله) في مرحلة عصيبة في تاريخ العرب والمسلمين، فتيار المد الماركسي كان قويا، والوجودية القلقة كانت متفشية في المشهد الثقافي إلى حد كبير، والصراع بين قوى الخير وقوى الشر على أشده، وإذا كان الديوان قد صدر في أوائل جمادى الأولى من 1379 للهجرة، فإن قصائده كُتبت في الظروف التي سبقت الإشارة إلى ملابساتها، وبذلك فقد أبى إلا أن يعلن عن اتجاهه بجرأة، وأن يترجم مشاعره وأحاسيسه في ديوان خاص غني بمضمونه المتميز، وبظواهره الفنية العديدة اللافتة للنظر، ويكفي أن نستعرض الدراسات العديدة والشهادات الكثيرة التي أعقبت صدور هذا الديوان، وبعضها ملحق بالطبعة الثانية الصادرة سنة 1392للهجرة.
وهكذا فقد أكد الأستاذ أحمد مظهر العظمة من سوريا البلد الأصلي للشاعر أن عمر بهاء الدين شاعر مؤمن عميق يتجه إلى الله العظيم، ويقرأ آياته في كل شيء من خلقه، فيناجيه فيصدق ويصفو ويسمو…
وكتب الأديب الرقيق الأستاذ محمد الصباغ من المغرب كلمة طيبة في هذا الديوان، ومما جاء فيها:
> ينذر في الوقت الحاضر الذي طغت فيه الماديات على الروحانيات، أن ننعم بقراءة ديوان يشتمل على الجانب الإلهي ليٌصَفِّيَ أنفسنا، ويُطهر أرواحنا، ويٌقلعنا من أرضنا الملأى بالشرور، ويشدنا إلى ما في السماء من طهر وخير وسلام وفلاح…<.
وأثاره المضمون المتميز السامي لديوان الأميري فأكد أن:
>الديوان كله عبارة عن أنشودة إلهية صوفية، تذكرنا بصوفية ابن الفارض في تخشعاته : فلسفة وتحليلا وتعليلا، وتلاشيا في محبة الله، في أسلوب مشرق، جذاب، منساب مع الأفكار والقوافي انسياب الرقرقات والنغمات، لا غموض في فلسفته، لا حشو في قوافيه، ولا لبس في معانيه وأفكاره <.
أبرز الظواهر الفنية في ديوان (مع الله)
في الكلمة السابقة للأستاذ الصباغ، إجمال لمجموعة من الظواهر اللافتة لاهتمام قارئ هذا الديوان، وهناك غيرها كثير، ومن جملتها براعة الشاعر في التشكيل البصري لقصائد الديوان، مستفيدا من فسيفساء القصيدة الحديثة وتوزيع أشطارها وأسطرها وجملها تعزز صدق تجربة الشاعر، فتغري المتلقي بمتابعة القراءة والاستمتاع بجمال الإبداع الفني، مضمونا وشكلا وتوزيعا لأجزاء القصائد وفقراتها، وذلك ما أضفى على هذا الديوان -بحق- سمة التجديد فيما يعرف بالشعر الإلهي بشهادة العرب والمستشرقين.