صحيح جدا أنني لا أريد أن أتقمص لعبة الشرطي فيما الآخرون هم الحرامية! وكفانا هذه الطوابير من الشرطة المعطلة عن قضايا الأمة المصيرية، والمأمورة في المقابل بالاشتغال في ملفات المواطن “الكحيان” “آش كال وآش أشرب وفين نعس وفين مشا ومعا من؟؟!!”..
وبتفصيل أوضح، لاأريد أن يكون لي اختصاص في مجال “التبوليس الديني”، فأكفر هذا وأؤمن الفردوس لهذا، لسبب بسيط هو أنني أفهم بعمق ماقاله سبحانه وتعالى من عدم تزكيتنا لأنفسنا فالله أعلم بمن اتقى، لكن دعوني مع كامل احترامي لكل من يقرأ هذه الأوراق من قريب أو بعيد ومع الشكر أستفرغ بعضا من مراراتي المتفاقمة، مع توالي هذه الوقاحات على أنظارنا، ولعل أبشعها تلك التي تقف فيها ممثلة شبه عارية معقبة على جملة من خردة أفلامها، فتقول من بين فقاعات أخرى لمحاوريها: إنشاء الله، وإذا أراد الله سبحانه وتعالى سأقوم ببطولة الفيلم الفلاني وتقصد الفضيحة الفلانية!! .. وفي السياق نفسه تتوقف يا قارئي أمام لقطات المسلسل الفلاني والسكيتش والفيلم والبرنامج العلانـي، ويزهق صبرك بطل أو مهرج ذلك المسخ، وهو تبشيري المحيا، فائض الكلمات الإيمانية يقول لك أن رمضان الكريم سيأتي بكل خيره؟؟! وأن المشاهد ستتلاحق أنفاسه من مفاجآت يختزنها فتحه الفني والشيطاني الذي سيجعل من “فرجة” رمضان استثناء بالمقارنة مع رمضانات سابقة!! ويشفع كل هذه المبشرات بمعجم رباني من الكلمات لوضع المشاهد في صورة الأجواء الإيمانية التي تنتظره!! من مثل : إنشاء الله وبإذن الله و”إلى بغا الله ونتمناو علا الله!!” وهلم استهتارا جهارا .. فهل هناك أخبث من قوم يستعلنون بالفاحشة وبالألوان والأضواء الصارخة وعدسات الكاميرات والصبايا المتكشفات وقصص غرام زنا المحارم، ويشهدون الله على فضائحهم، والأدهى يطلبون عونه وبركاته، والأنكى أنهم يلصقون هذه الخبائث بالشهر الفضيل!!! وكأن قلوب الخلائق ليست جوفاء جرداء بما يكفي .. وليس منسوب الإيمان في الدرجات الدنيا .. وكأن حملات الإرهاب الشرسة المنظمة لم تحاصر حتى ذلك الإيمان التقليدي .. وكأن المساجد و حلقات الذكر ما هجرت ..وكأن مظاهر التدين الإعتيادية من حجاب ولحية ما رصدت،حتى غدت دور الحلاقة منتدى الملتحين الأكثر إرتيادا!!.. وإذا كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه الإمام البخاري يقول: “إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين”، إنطلاقا من أن الصوم هو بمثابة إختبار لكل الحواس في تساميها إلى التـقوى وإلى الانسلاخ عن الأرض بأوحالها المخلدة بالإنسان إلى الشهوات، فكان من لطف الله سبحانه وتعالى أن صفد العناصر التي تشد العباد إلى الأرض، فإن شياطين آدمية تأبى إلا أن تنفلت بالمحطات التلفزية العربية الإسلامية ” يا حسرة”، من عقالها، مدججة بكل مساحيق الجاذبية والفتنة المتناقضة جوهرا مع رسالة رمضان، جاعلة العبيد في وضع من يستجير بالرمضاء من النار!.. محيلة للكثير منهم إلى مجرد بهائم مربوطة، ليس لها من صيامها إلا الجوع والعطش!! لساعات معدودات تعقبها ساعات أطول من الانغمار في الفسوق والعصيان ..
وليس رمضان الكريم إلا قلعة يتيمة من القلاع الإسلامية المتبقية للمسلمين إلى حين، لا قدر الله وها قد طاله هو الآخر القصف الإعلامي المكثف، بحجة عدم التحجر والانغلاق، وعملا بشريعة المفلسين : “شوي لربي وشوي لقلبي”، حتى ترضى عنا السيدة الحداثة التي تؤمن بالدين الخفيف في الميزان وعلى اللسان .. الدين الذي إن حضر لم يعتمد إلا قشورا، وإن غاب لم يفتقد .. دين الحرية السائبة، والتسامح إزاء كل فاسق ومارق وماحق لثوابت الدين باسم الحق في التعبير أو الحق في الاجتهاد !! أو الحق في الاختلاف!، “دين كل شاة تتعلق من كراعها!!”.. “دين كور وعطي للعور!!”..
فهل نستغرب إذا كثرت السرقة والزنى والعنف في كل الفضاءات ولأتفه الأسباب في شهر رمضان وعمرت المساجد وأقفرت القلوب، ونحن أمام تكاثف وتحالف غير مسبوق لشخوص الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، مع يقين البعض منهم أنهم يحسنون صنعا؟!!..
وسنفتح في حلقة قادمة صفحات مؤلمة من أجواء رمضان هذا الحداثي لنرى في مرآة الحقيقة ملامحنا الممسوخة فلا نحن من هؤلاء ولا من هؤلاء .. وحتى ذلك الحين، لنعض بالنواجد على عروة رمضان المرصود فإنها توشك أن تنـتـقض كما ستنتقض الصلاة كآخر عروة، مصداقا لقول الصادق الأمين سيدي رسول الله،وتلك أمنية المتربصين الغالية، فهل نمكنهم منها برخاوتنا؟.