لهوة بين النوايا الطيبة والرغبة في التطبيق
لو كتب لأحد ممن لا يعلمون حقيقة وضع المرأة في مجتمعنا أن يطلع على ما يكتب في الجرائد والمجلات في هذه الأيام، لما خامره الشك في أنها قد حصلت على الأقل على القسط الأكبر من حقوقها، وهي التي اجتمع كل الناس، و كل التوجهات والمذاهب على أن لها حقوقا، وأنه لابد لها من الحصول عليها وممارستها.
لكن الناظر المتفحص لواقع الحال يعلم علم اليقين أن المجتمع ـ وإن شارك في الجعجعة الدائرة حول هذا الموضوع ـ لا زال لم يستوعب خصوصية هذا المخلوق، ولم يتخلص بعد من الموروث الثقافي التقليدي الذي يجثم على عقل أفراده و يكبل فكرهم.
إن استقراءاً دقيقا لواقع المرأة في كل الطبقات والشرائح الاجتماعية يؤكد حقيقة أن المرأة تعيش في مجتمع مادي، يقيمها انطلاقا من مفاهيم مادية بحتة، بعيدة كل البعد عن المنهج الرباني الذي حباها بالرفعة، و رفع درجتها ببركة النفخة العلوية التي أبعدتها عن الارتكاس في الطين، وجعلها شقيقة للرجل في الأحكام، حتى وإن جعل سعيها يختلف في كثير من الأحيان عن سعيه، نظرا لاختلاف مبدئي بينها وبينه من الناحية الخلقية: الفيزيولوجية والمورفولوجية.
ولعل جهل المرأة بما لها من حقوق في إطار الشرع الحنيف، هي السبب المباشر لما آلت إليه من تخلف وارتداد إلى الدرك الأسفل، سواء تعلق الأمر بالمرأة المستغربة التي رأت في النموذج الغربي مثالا يحتذى، أو بالمرأة الغارقة في أتون التقاليد المجحفة، أو حتى التي تبنت الطرح الإسلامي لكنها لم تستطع لحد الآن أن تنتزع تلك الحقوق، أو بأسلوب أقل خشونة، أن تقنع الشقيق في الأحكام بحتمية تمتيعها بحقوقها الشرعية الكاملة دون نقص، و دون شوائب قد شابتها من كثرة إغراقها في بحر التقاليد على مر عصور الانحطاط والبعد عن الدين.
وحقوق المرأة هاتهالتي شغلت بال الكثيرين من الجنسين، وأسالت الكثير من اللعاب والمداد على مدى العقود الأخيرة، ليست ترفا فكريا يؤثث صالونات ومنتديات النساء “المثقفات” كما يحلو للكثير من الرجال أن يصفها، و لا موضة أجنبية استوردت وجلبت كالكثير من المفاهيم والقضايا كما يتوهم الكثير من الناس، لكنها مسألة مصيرية تستوجب الاستعجال في التطرق إلى كيفية تحقيقها، ونشر الوعي بحتمية تحققها وفق منهج الشرع، حتى يعم الأمن الفردي، ثم من بعد ذلك الأمن الأسري، فالمجتمعي، فأمن الأمة الذي يعين على الانطلاق بفكر خلاق مبدع متشبع بنور الله، قد تهيأ وتأهل للقيام بمهمة الاستخلاف في الأرض.
فالأمن الأسري مرتهن برصيد السلم السائد في محيط الأسرة، والسلم لا يتحقق إلا باستشعار كل فرد من أفراد الأسرة لقدر من الطمأنينة يملأ نفسه ويغمر كيانه، فيستأنس بمن حوله، و يفتقدهم ويستوحش بالبعد عنهم.
وهذا السلم غير ممكن الحلول في الأسر إلا بعد أن يحل في حنايا المرأة: الزوجة والأم، و في قلبها وعقلها أولا وقبل كل شيء.
ولن يحل هذا السلم إلا بعد أن يينع في نفسها نبت الرضا عن النفس، والرضا عن النفس مقترن بمدى ممارسة المرأة لمقتضيات إنسانيتها، و بمدى إحساسها بالتقدير والاحترام من طرف أناس تعايشهم وتحرص على خدمتهم و توفير الراحة لهم، وعلى رأسهم ذلك الشريك الذي يحتم الشرع أن تجمعها به المودة والرحمة، لا الفرقة ولا التسلط ولا الرغبة في فرض السيطرة ولا التحكم في المصير وفي المآل دون الاحتكام إلى الله و إلى الرسول.
و المرأة تحتاج إلى أن يعترف لها بحقوق منحها الشرع إياها، ولم تستطع لحد الآن أن تقنع المجتمع المعاصر بكل فئاته وتوجهاته أن يسمح لها بممارستها.
فالتقاليد المجحفة بحق النساء تكبله، وتجعله غير قادر على التجرد، وغير مستطيع التخلي عن الأفكار المسبقة حولها حتى يتمكن مناستيعاب ما لها من حقوق قد يخال له أنها قد تطغيها، بل وتعينها على التفلت والمجاهرة بالعصيان.
والمرأة لبنة أساسية في بناء الأسرة، إن اختل تماسكها أو تصدعت كتلتها انهار البناء بأكمله.
فلا يعقل أن ينمو طفل متوازن النفس، و الجسد، في بيت تديره امرأة متهالكة القوى، متذمرة، منهوكة الجسد، موشومة بالقهر، وبالأخص مستباحة الكرامة ذليلة النفس، تشعر بالمهانة، أو بتعبير أدق ترغم على استشعار تلك المهانة تحقيقا لرغبة مقيتة في التسلط والتجبر، وحبا في الرفع من قيمة الأنا الأنانية القابعة في أعماق النفس الغير المستنيرة بنور الله.
فرفقا بالقوارير…
ورفقا بأنفسكم أيها القوامون على النساء…
فالقوامة تكليف…والتكليف واجب على المكلفين القيام به وفق ما أمر الله به، لا وفق ما تأمر به الأهواء …
و اتبعوا السبل والوسائل التي يرضاها الله لكم لتحقيق تلك القوامة…
فتحروا الصواب…واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون…
—-
دة.صالحة رحوتي
طبيبة بالمركز الصحي الجامعي بكلية العلوم بالقنيطرة.