قال الله تعالى في كتابه العزيز : {كنتم خير أمة أخرجت للناس تامرون بــالـمــعروف وتنهون عــن الــمنكر وتومنون بالله} (آل عمران: 110).
- لا شك أن أفضل أمة عند الله أمة الإسلام. فالأمم السابقة قبلها كانت مأمورة بما أمرت به هذه الأمة، من إيمان بالله وتشريعات سماوية، وفُضِّلت بما فضلت به على غيرها من مخلوقات زمنها، وقد خُبِّر أهلها بما خبروا به عن طريق الرسل عليهم السلام، الذين بُعثوا إليهم على اختلاف الزمان والمكان. {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير}(فاطر : 24) وذلك لكي لا يعيشوا حياة فوضى ومتاهات وضلال، فأُمروا بما أُمروا به من عقائد وعبادات، وشرائع وأحكام وآداب، ليحيوا حياة دنيوية سعيدة، ويثابون في الآخرة إن هم عبدوا الله حق عبادته.{تلك أمة قد خلت لها ما كسبت}(البقرة : 140). ولكن حسبما تطلعنا عليه النصوص القرآنية والسنة النبوية والتاريخ الإسلامي، نعلم أنه كان من تلك الأمم المطيع والعاصي، وتلك سنة الله في خلقه، وأنه سبحانه سيجازي كلا على قدر إيمانه وعمله وتقواه يوم القيامة {إن الساعة آتية لا ريب فيها}(الحج : 7)، وحينها {تُجزى كل نفس بما كسبت}(غافر : 16).
- هذا بإيجاز عن الأمم السابقة، أما عن أمة الإسلام، التي تومن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وبالقضاء والقدر خيره وشره، وتعمل على تطبيق ذلك قولا وعملا، فإن الله تعالى فضلها على غيرها من الأمم، كما فضل الرسول الذي بعثه إليها ، بفضائل ومزايا لم تعط لغيره من الرسل عليهم السلام، قال تعالى : {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات}(البقرة : 251). وقال : {ولقد فضلنا بعض النبيئين على بعض وآتينا داود زبورا}(الإسراء : 55). وقد ثبت في حديث الإسراء، أن رسول الله ، رأى الأنبياء والرسل في السماوات العلى بحسب تفاوت منازلهم، وهو عليه السلام مفضل عند الله، لأن الله تعالى صلى عليه، وأمر الملائكة وعباده المومنين بالصلاة عليه فقال : {إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}(الأحزاب : 56). فثبت بهذا أن الصلاة على النبي عبادة من العبادات.
- إن المسلمين كلهم يومنون بمحمد نبيا ورسولا لكافة البشر للإنس والجن، أينما كانوا ومتى وجدوا. {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا}(سبأ : 28)، ويومنون بأن رسالته عليه السلام، خاتمة للرسالات السماوية، وهي أبدية الوجود إلى يوم القيامة، ويومنون بأن لا دين يُقبل ويعبد به سبحانه غير الإسلام.{ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}(آل عمران : 84)، بعد هذا الإيمان الراسخ في قلوب المسلمين، بقي عليهم أن يُطلعوا غيرهم عليه، كل على قدر استطاعته، لأن ذلك أمر لا بد من إيصاله لمن يجهله من الناس، وهو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسينال الداعي بذلك الفوز والنجاح في الدنيا والآخرة. قال الله تعالى :{ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}(آل عمران : 104). كما يجب أن يطلعوهم كذلك على أنه لا يمكن لأحد أن ينعم برضى الله في الدارين إلا إذا آمن بمحمد ، خاتم الأنبياء والمرسلين، وسار على العقيدة التي كُلف بتبليغها للناس، قال تعالى : {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}(الحشر : 7)، لأنه عليه السلام هو حظ هذه الأمة وهي مسؤولة عنه في قبرها، فمن أطاعه أطاع الله، ومن عصاه عصى الله {من يطع الرسول فقد أطاع الله}(النساء : 79)، {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول}(النساء : 58). روى الإمام البيهقي في شعب الإيمان، بسنده إلى عبد الله بن الحارث، أن رسول الله قال : “لو نزل موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم، أنا حظكم من النبيئين وأنتم حظي من الأمم” وفي حديث آخر أنه قال : “والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يومن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار” رواه الإمام أحمد ومسلم، وعن أبي موسى الأشعري في هذا المعنى قال، قال رسول الله : “ثلاثة يُؤتون أجرهم مرتين : الرجل تكون له أَمة فيعلمها فيحسن تعليمها، ويؤدبها فيحسن تأديبها، ثم يعتقها فيتزوجها فله أجران، ومومن أهل الكتاب الذي كان مومنا، ثم آمن بالنبي محمد ، فله أجران. والعبد الذي يؤدي حق الله وينصح لسيده له أجران” رواه البخاري ومسلم وغيرهما من أصحاب السنن.
- هذا عن تفضيل الرسول محمد ، أما عن أمته التي يدل اسمها على السلام، وهواسم من أسماء الله الحسنى، فقد قال الله تعالى عنها، تأكيدا لتفضيلها على غيرها{كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتومنون بالله}(آل عمران : 110)، ففضلها عز وجل بآخر كتاب أُنزل على نبيها عليه السلام، وهو ناسخ لما قبله من الكتب المنزلة، وبانتمائها لمن ختمت الرسالات السماوية على يديه ، وبحجها واعتمارها وصلاتها في الحرم المكي والنبوي والمقدسي، وهي أماكن مقدسة عند الله، لاحق لغير المسلمين فيها، وخصها بيوم الجمعة وأعطاها ليلة القدر خير من ألف شهر، وجعل توبة المسلمين من الذنوب بالاستغفار، بينما كانت توبة الأمم السابقة بالقتل قال تعالى عن قوم موسى :{فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم}(البقرة : 53).
ومما فُضلت به أيضا أمة الإسلام، أنه سبحانه أعطاها من الفضائل ما لم يعطه إلا للأنبياء والرسل عليهم السلام، منها : أن الله تعالى كان إذا بعث رسولا لقوم قال له : اسأل تُعط، وقال لهذه الأمة {ادعوني أستجب لكم}(غافر : 60) وكان يقول له : اذهب ولا حرج عليك، وقال لهذه الأمة : {وما جعل عليكم في الدين من حرج}(الحج : 76)، وكان يقول له : أنت شاهد على أمتك، وقال لهذه الأمة : {لتكونوا شهداء على الناس}(البقرة : 142). وفضلها عز وجل بالرحمة فقال : {ورحمتي وسعت كل شيء}(الأعراف : 156)، فطمع فيها كل شيء، حتى إبليس قال : أنا شيء من الأشياء، فأخرجه الله منها بقوله : {فسأكتبها للذين يتقون ويوتون الزكاة والذين هم بآياتنا يومنون}(الأعراف : 156), فطمعت فيها اليهود والنصارى، فقالوا : نحن نتقي ونوتي الزكاة ونومن بها، فأخرجهم الله منها بقوله : {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي}(الأعراف : 157) وجعلها لأمة محمد المفضلة كذلك بالاستغفار من الذنوب، وبتضعيف الحسنات، وبالتجاوز عما تحدثت به نفوسهم، وجعلها آخر الناس موتا وأولهم قياما، وأول من يدخل الجنة وأكثرهم دخولا إليها، وجعل من هَمَّ بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة، وإذا عملها كتبت له عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وإذا هَمَّ أحدهم بسيئة ولم يعملها كتبت له حسنة، وإذا عملها كتبت له سيئة واحدة، وجعل هذه الأمة آخر الأمم، ليقرأوا عيوب الناس ولا يقرأ غيرهم عيوبهم. سبحان الله العظيم، الرؤوف بعباده، يغفر الذنب الكثير لهذه الأمة، ويقبل منها العمل اليسير، فعن عمر بن الخطاب] قال : قال رسول الله بعدما قرأ : {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير}(فاطر: 32)، قال : “سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له”(الجامع لأحكام القرآن 14/346).
إن المتأمل فيما فضل الله به أمة الإسلام، وما ذُكر من ذلك هنا فهو أقل من القليل، سوف يدرك أن الله عز وجل، فضلها لأنها هي الوحيدة التي آمنت به إيمانا صادقا، وطبقت بتوفيق منه سبحانه ما بُلغت به عن رسول الله ، ورأت في هدايتها للناس أمرا واجبا عليها، فكانت تؤديه عبر السنين والأجيال، أما الآن وقد ساءت حال هذه الأمة لأسباب بعضها معروف، والبعض الله أعلم به، فقد أصبح من اللازم القيام بما كان يقوم به السلف الصالح من هدي وإرشاد وتوجيه، يقوم به كل من له مؤهلات تمكنه من القيام بذلك على الوجه السليم والصحيح، وليكن البدء أولا بمن أخذ إيمانهم يتذبذب، وأعمالهم الصالحة تقل، بسبب الأفكار الهدامة الدخيلة على أبناء وأفراد هذه الأمة من هنا وهناك، والتي أخذت ـ للأسف الشديد ـ تجر البعض معها جرا إلى الهرولة وراء ما يسمى بالعولمة أو الانفتاح على الغير، فأية عولمة هاته؟ وأي تفتح هذا إذا كان مآل صاحبهما الهلاك والضياع دنيا وأخرى؟ قال تعالى : {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}(البقرة : 194). ويحصل هذا في الغالب لمن لا قدرة له على المقاومة والرد المقنع من شبابنا على الخصوص، إما لغفلته أو جهله أو عدم حراسته ومراقبته من طرف أهله ومجتمعه وغيرهم من الساهرين على حماية عقيدته وهويته الوطنية، فأمام هذا التقصير في المسؤولية من كل طرف، أصبحنا نقرأ في بعض الصحف عن الكثير ممن وقعوا في فخ المبشرين بالمسيحية، فهؤلاء لا ينبغي غض الطرف عنهم وتركهم ضحايا للقناصة المتسترين في بعض المراكز الثقافية وغيرها، بل يجب الأخذ بيدهم وإنقاذهم قبل فوات الأوان، وقبل أن تستعصي الأمور – لا قدر الله- في وجه الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، الذين يرون في الآية الكريمة التي تصدرت الموضوع، وغيرها من النصوص القرآنية والسنية الأخرى، حافزا قويا لهم للقيام بهداية الناس واسترشادهم إلى ما فيه الخير والصلاح لهذه الأمة التي فضلها الله على غيرها من الأمم، والتي أحبها ويحبها ويغفر ذنوبها، وقد جعل سبحانه محبتها له، مشروطة باتباعها لرسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، حيث قال على لسانه : ” قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم” (آل عمران : 31) .
ذ.محمد الصباغ