خَدَمُ القرآن والداعون إليه أصحاب رسالة هي أثقل في ميزان الحق من كل من سواها، هم ينطوون على قوة عظمى لو سلطت على الجبال الرواسي لأذابتها ولجعلتها دكاء. وإنهم بسبيل تفجير طاقة بناء حضارية هائلة خبيئة في كلماته وآياته، ستصمك لو تفجرت سمع العالم، وتهز أركان الوجود الإنساني على هذه الأرض، لأن القرآن ينطوي على قوة من الذات الإلهية بالوحي والتنزيل، وعلى قوة عن الذات المحمدية بالتلقي والتبليغ، وعلى قوة عن الذات الكونية بالتدليل والتمكين.
فكتاب يبلغ من قوة الحق هذا المبلغ الذي لا يبلغه حق سواه، لا جرم أنه يكتسح ما توارثته البشرية من عقائد خرافية إذا ما عرفته وآمنت به، وسيخل بموازين القوى الفكرية والمعرفية التي لها اليوم الهيمنة على عقل العالم، فلا عجب إذا ما خافته أباطيل الشعوب، وأشفقت منه أديان وحضارات انحرفت بالإنسان ودفعت به إلى زوايا معتمة خلف ضباب حالك من جهل الروح وأمية الفكر والعقيدة.
وبسبب من أخطاء البعض من الجماعات الإسلامية اهتزت صورة الإسلام في أعين المراقبين من المعنيين بشؤون الأديان والدعوات، وقد انتهز الإعلام عموما، والإعلام الغربي خصوصا هذه الفرصة الذهبية للمزيد من التشويه لصورة الإسلام وإظهاره بمظهر الدين الدموي الذي لا يعرف سوى العنف والإرهاب.
فحقيقة الإسلام المجردة في حاجة إلى القلم الذكي الأريب الذي يكرس جهده من أجل رسم حقيقة الإسلام من غير تشويه، ومن أجل تبديد ما علق بأذهان الآخرين من تصورات سوداوية عنه.
فمهما يبلغ من إحساسنا – نحن المسلمين – بالظلم والقهر، فلا ينبغي أن تكون ردود أفعالنا على ذلك سلوكيات وتصرفات متسرعة من جنس سلوكيات وتصرفات أعدائنا، وإن من الخطورة بمكان أن ينساق البعض – وأحيانا يستدرج – وراء أهداف وشعارات لم يحن بعد زمن فهمها لتصبح محل قبول وترحيب لدى الناس، فيكون ذلك سببا كافيا لشعوره بالإحباط وربما اليأس الذي كثيرا ما يدفعه لممارسة سلوكيات غير منضبطة توقعه تدريجيا في مضيق لا يعرف كيف يخرج منه، وربما وجد نفسه في خاتمة المطاف أمام خيار واحد لا خيار له غيره للخروج من هذه المحنة وهو : إما أن يَظلم أو أن يُظلم، وإما أ، يَقتل أو أن يُقتل.
فالاكتئاب الروحي الذي تعاني عذابه وآلامه بعض الجماعات الإسلامية أورثها رغبة خفية بالموت، فكما يفضي الاكتئاب المرضي في كثير من الأحيان إلى الجنون وإلى الرغبة بالانتحار لدى الأفراد، فهو كذلك لدى بعض الجماعات، فتاوى الانتحار مدفوعة بهذه الرغبة الخفية، فتقدم على أي عمل جنوني من أجل أن تضع حدا لحياتها ووجودها، وهذا هو بالضبط ما يريده الأعداء ويتمنونه.
وكأن “النورسي” رحمه الله كان يحدس بما سيؤول إليه أمر بعض الجماعات الإسلامية في قابل أيامها، فحصن نفسه وحصن دعوته من هذا المرض الخطير الذييمكن أن تصاب به الجماعات في كل وقت، فرفع منذ اللحظات الأولى لدعوته شعارا غاية في التواضع والبساطة يتلخص بكلمتين إثنتين هما : ” إنقاذ الإيمان” ولم يشم الدنيويون منه رغبة في سحب البساط من تحت أقدامهم، ولا السياسيون رغبة في التحرش بكراسيهم، وأعلن أن دعوته لا تمر ولن تمر من أبواب السياسة الضيقة، بل هي دعوة ترى في الإيمان وفي “الإيمان” وحده خلاص العالم ، وخلاص السياسة نفسها بطرفيها ” الحاكمين والمحكومين” من الاختناق في سجن الدنيا وفي قبضتها الماحقة..
د.أديب الدباغ-تركيا