….عباد الله : لقد علم ربنا تبارك وتعالى أن سيكون بعض الناس مومنين به وبرسله، يستجيبون لندائه، ويقتدون بأنبيائه، وسيكون بعض الناس معرضين عن دعوته، مجادلين في حقيقته، محاربين لرسله وأوليائه. وكل هؤلاء وأولئك تحت عينه وإرادته وقدرته.
وقد أخبر سبحانه عباده المومنين بطريقة التعامل وكيفية العلاقة بينهم وبين أعدائه سواء كانوا أعداء معاهدين، أو أعداء محاربين، لكن التعامل الأصلي والطبيعي والعادي والدائم إنما هو بين المسلمين. أما في الأحوال الاستثنائية والظروف غير العادية فإنه يجوز التعامل بين المسلمين والأعداء غير المحاربين.
وهذا معناه، أن أي تبادل تجاري أو تعامل مالي يجب أن يكون أصلا وابتداء بين المسلمين، وفي مختلف الأقاليم، ولا يجوز لأي مسلم أن يستورد أي صناعة من بلاد الكفر أو يتاجر أو يتعامل بأموال المسلمين مع الأعداء الكافرين، ما دام يجد في أسواق المسلمين بضائع إسلامية ولو كانت أقل جودة وزائدة في الثمن، إلا أن يحتاج المسلمون إلى بعض السلع وتكون مفقودة عند المسلمين. ولا تكون حراما، ولا يمكن أن يستغني عنها المسلمون. قال تعالى : {ولا توتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيما}.
وأجاز الاسلام للمسلمين أن يتزوجوا الكتابيات في أحوال خاصة، وبشروط إسلامية، حتى لا يتضرر بذلك بنات المسلمين، أو ينشأ في المجتمع الاسلامي أجيال أمهاتهم كتابيات يحنون إلى الكفار، ويطمئنون إليهم، وقد يؤمنونهم على بعض شؤونهم، أو يفضلونهم على المسلمين.
وأجاز الاسلام للمسلم أن يهدي للكافر ما لا يزيده قوة ومنعة على المسلمين سواء كان الكافر جارا أو بعيدا.
وأجاز الاسلام للمسلم أن يحضر وليمة الكافر إذا دعاه، ولا يكون في مكان المسلم محظور شرعي، وأن يهنئه بدنياه، فقد استجاب رسول الله لجاره عقبة بن أبي معيط لما دعاه إلى وليمة.
وأجاز الاسلام للمسلم أن يزور جاره الكافر المريض ويواسيه بما يستطيع، ويدعو له بما يناسبه.
وأجاز الاسلام للمسلم أن يُطعم الكافر الجائع ويكسوه إذا عري، ويعالجه إذا مرض، ويُسلفه إذا احتاج، بشرط ألا يكون محاربا.
وأجاز الاسلام للمسلم أن يحاور الكافر ويناقشه، ويتدارس معه كل ما يتعلق بالشؤون الدنيوية المشتركة، بشرط أن يكون المسلم مؤهلا للحوار والمناقشة والبحث، بالعلم والحكمة والإيمان.
وأجاز الاسلام للمسلمين أن يربطوا بينهم وبين الكفار معاهدات واتفاقات وموادعات، وحذر الاسلام أتباعه من غدر الكافرين ونكثهم للعهود فتلك طبيعتهم، وهم لا يجنحون للسلام والصلح إلا عند عجزهم وضعفهم.
ومنع الاسلام المسلم أن يزوج المسلمة للكافر والمشرك، وكل زواج قام بين مسلمة وكافر فهو فاسد أصلا، وما نتج عنه من أبناء فهم غير شرعيين. وكل تمتع بين هذين الزوجين فهو على وجه الحرام والزنى. قال تعالى : { ولا تُنكحوا المشركين حتى يومنوا، ولعبد مومن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار، والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون}.
ومنع الاسلام على المسلم أن يعين الكافر بأي وجه من وجوه الإعانة إذا علم أو غلب على ظنه أن الكافر سيستعمل تلك الإعانة لحرب الاسلام والمسلمين، سواء كانت الإعانة بعوض أو بغير عوض.
ومنع الاسلام المسلم أن يغدر في اتفاق أو معاهدة أو صلح مع الكفار، سواء تولى العقد الشرعي الإمام أو نائبه. أو جماعة المسلمين، أو فرد مسلم مع فرد كافر. قال تعالى : {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}.
ومنع الاسلام المسلم أن يحب الكافر ويواليه، ويثق به ويرتاح إليه.
ومنع الاسلام المسلم أن يخضع لكافر أيا كان إلا مكرها، وموقنا، ريثما يدبر أمر خلاصه والتحرر من قيوده، والسيادة عليه، فليست العزة للكافر أبدا.
اللهم فقهنا في ديننا وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما. آمين،والحمد لله رب العالمين.
…عباد الله، تحدثنا في الخطبة الأولى عن أهم العلاقات التي قد تكون بين المسلمين والكفار، وذكرنا أحكام الشرع فيها.
أما الآيات والأحاديث الدالة عليها فهي كثيرة جدا، لا يمكن إحصاؤها في خطبة جمعة.
ونريد أن ننبه في هذه الخطبة أيضا على أمر خطير، وهو أن بعض المسلمين لا يبالون ببعض الأعمال، ويعتبرونها تافهة، ويقولون لا بأس بها، ويحكمون بجوازها. وهي في الشرع إن لم تقذف بهم إلى الكفر رمت بهم إلى حافته، فليتق الله امرؤ مسلم يحرص على إسلامه وليتق الله رجل في نفسه وأهله، وليحذر الخزي يوم لقاء الله.
إننا ما زلنا في مطلع الشهر الميلادي (2/12/2004) وقد ظهرت في المجتمع “المسلم” بوادر الاحتفال بعيد الميلاد وهو عيد ديني وأنتم تعلمون أن رسول الله لم يترك لنا إلا عيدين دينيين هما عيد الفطر وعيد الأضحى. وتعلمون أن بلاد المغرب اليوم تنشر فيها النصرانية والبهائية وعبادة الشيطان، وعبدة الجنس، أي المجوسية، وقد تكون عندنا البوذية والمانوية والسيخية والفرعونية وغيرها. فالحرية باسم القانون فتحت أبواب التدين المختلف للناس، وأحكام الردة تعطلت منذ زمان، وجدار احترام الاسلام هُدم منذ سنين.
وقد رأيتم وسمعتم كما ترون وتسمعون، دكاكين مملوءة بالمنتوجات المخصصة للاحتفال بعيد الميلاد، فهذه تماثيل بشرية، وهذه ملابس معدة، وتلك أشجار مزينة، وتلك حلويات مشكلة ملونة، وتلك خمور متنوعة مصنعة ومستوردة، وهناك خنازير برية مهيأة للذبح للطبخ والشواء، وهناك صور معبرة وأماكن للتصوير مع تمثال “البابانويل” سيتسابق عليها أطفال المسلمين في هذا الوطن المسلم .
فمن الذي يشتري تلك المنتوجات النصرانية كلها؟ إنهم المسلمون لأنفسهم ولأبنائهم وفي عيد نصراني!.
ومنالذي سيحضر الحفلات في الدور والفنادق والكنائس؟ إنهم المسلمون وأبناؤهم في عيد ديني نصراني وفي بلد مسلم.
فيا عباد الله اعلموا أن من يشارك بشيء مما يعتبر احتفالا بعيد الميلاد وحفاوة بالنصرانية والنصارى، وينشط لذلك ويفرح به، ويعده عملا دينيا يتقرب به إلى الله تعالى فهو قد ارتد، وخرج من الاسلام، وقذف بنفسه إلى الكفر.
ومن شارك في شيء، من ذلك غفلة وجهلا، واتباعا للناس، وتقليدا للنصارى غير قاصد التقرب بذلك إلى الله تعالى فهو قد رمى بنفسه إلى حافة الكفر.
وقد سمعتم عباد الله مرارا وتكرارا قول رسول الله : “من تشبه بقوم فهو منهم”. قال : “ليس منا من تشبه بغيرنا” سواء تشبه بهم في اعتقادهم وفكرهم، أو في ملابسهم ومظاهرهم أو في أحوالهم وعاداتهم وأعرافهم، أو في أكلهم وشربهم ومشيهم وجلوسهم أو في حديثهم وآدابهم. وخاصة إذا دفعه إلى التشبه بهم حبه لهم وتقديرهم، وتمجيدهم وتعظيمهم، ومدحهم والتعلق بهم، فهذه دعوة صريحة إلى طاعتهم والخضوع لهم والحكم بعزتهم وأفضليتهم على المسلمين. وإن لم تكن هذه ردة عن الاسلام وطعن في الدين فهي أختها.
قال : “من غير دينه فاضربوا عنقه”.
واعلم أيها الصانع والجالب والبائع لتلك الأشياء التي تُصنع وتجلب وتباع بهذه المناسبة، اعلم أنك تشارك في تنصير أبناء المسلمين، وأنك تكسب حراما وإن صنعته من حلال وجلبته بمال حلال. وأنك تُطعم أبناءك مالا حراما، وأنك تعز ملة غير ملة الاسلام، وأنك ترفع كلمة الكفر، وتذل كلمة الاسلام.
اللهم ألهم المسلمين رشدهم وقهم شرور أنفسهم. آمين.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله الطيبين الطاهرين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الذين حرروا المسلمين من شوائب الشرك والوثنية، وعن الصحابة السالكين المحجة المحمدية، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الحساب.
د.محمد أبياط