مع اقتراب عيد الأضحى، يصبح الهم الشاغل للسواد الأعظم، أو لمعظم الأسر المغربية هو الحديث عن “الكبش”، وتصير معظم الحوارات منحصرة في هذا الموضوع، مع أن هناك مسائل بغاية الأهمية يتم إقصاؤها وتهميشها، ولربما إغفالها.
ونظرا للعقليات السائدة في أوساطنا المغربية، أضحى الكبش ضرورة يجب توفيرها مهما كانت الظروف والأسباب.
ولعل المشكل الأساس يكمن في المرأة، فالمرأة في مجتمعنا، ولا أقصد التعميم تلح على ضرورة أن تكون الأضحية ملائمة لمقامها حتى تضاهى بها جارتها أو لاعتبارات أخرى لا يسمح المقام بالتطرق إليها.
فيضطر الزوج إلى الاقتراض، والبعض الآخر تؤدي به حماقات الزوجة المسكونة بأوهام مريضة إلى بيع أثاث منزله لتوفير الأضحية و….
كثيرة إذن هي مآسي العيد، وقليلة في الآن ذاته فرحته، فبينما ينشغل البعض بتوفير ثمن الأضحية، وبالاستعدادات المصاحبة لهذه المناسبة، يستعد البعض الآخر للعودة إلى المدينة التي غاب عنها طيلة السنة، أو لبعض الوقت لظروف العمل، أو الدراسة..
إذن يقترب العيد، وتمتزج الأفراح بالأتراح، وتزدان الأسواق بما لذ وطاب، فيصبح حديث الشارع كله منصبا على الأجواء العامة التي تحكم سوق الأضحية، وبين هذا وذاك يستعد الغائبون عن مدنهم، وعن قراهم كما أسلفت للعودة، وأية عودة؟؟!.
ربما قد يتساءل بعضكم عن طبيعتها، ولربما يعتبرها الآخرون عودة عادية.
في حين كثيرا ما تنقلب هذه العودة إلى مأساة وفاجعة كبرى، تنسي هؤلاء وذويهم كل الفرحة والغبطة.
وتنقلب المسرات إلى جنازات، وتختلط فيها دماء الأكباش بدماء بشرية.
إذن العيد فقد رمزيته، فقد كنهه وبشاشته التي عهدناها فيه كلما أقبل علينا في سنوات خلت.
فبقدر ما هو سار لفئة، فهو موجع لفئة أخرى.
وعلى إيقاعات العيد وتلاوينه، ومع أتراحه وأفراحه تنحر الأكباش، وتنتحر معها أحيانا نفوسا بشرية.
فقد يباغتني أحدكم بسؤاله لم الخلط بين النحر والانتحار، فلا عيب عندي في التوقف هنيهة للتفصيل ولو بشكل مقتضب فأقول : “فبينما يستعد البعض لإحياء وتخليد هذه المناسبة في أجواء ملائمة، تميزها الفرحة، والتلاحم الأسري، والأجواء الأسرية الحميمية، وفي ظروف خالية من كل ما من شأنه أن يعكر صفوها، يعيش الآخرون على وقع صدمات لم تكن في الحسبان، إذ يفاجأ أهالي الغائبين وهم في شوق لاحتضانهم بخبر ينزل عليهم كالصاعقة “إن الغائبين عنهم لردح من الزمن قد أضحوا في عداد الأموات، أو أحياء أموات<، وقلة قليلة من يحالفها الحظ فتنجوا، فبدل أن يعزفوا في هذا العيد على أوتار الفرح، يعزفون موسيقى الحزن والألم والحسرة.
لقد ذهبت أرواح بشرية، بفعل سرعة جنونية، ضاعت فلذات بفعل حماقات إنسانية، وضاعت وضاعت..
إذن في خضم الاستعدادات لإحياء هذه المناسبة، تقع أشياء كثيرة تنسي البعض حلاوة هذه المناسبة لتتحول جمالية لحظاتها إلى مرارة وشجن، فهناك من يذهب لشراء الأضحية فيعود خاوي الوفاض لأن ثمنها قد سلب منه.
فكما هو معروف في مثل هذه المناسبات تنشط مثل هذه العمليات، ويجد محترفو الجيوب ضالتهم، فيشقون جيب هذا، ويسرقون أضحية ذاك، فتتحول السوق إلى أسواق، وتعم الفوضى، ويختلط الحابل بالنابل، والطالح بالصالح، ووسط هذه الموجة الغريبة التي يعرفها العيد، يعيش الناس إيقاعات مختلفة.
وكأن العيد طوفان، أو ربما العيد بركان خامد يستعيد في العيد نشاطه، ويحرق بحممه ولظاه المحرقة بعض الفئات من مجتمعنا التي عانت وتعاني من ارتفاع الأسعار، من ويلات لا حصر لها، ومن خضات اجتماعية كثيرة.
أطباق العيد ليست دائما لذيذة فقد تعتريها أحيانا المرارة، فتفقدها لذتها، ونكهتها المتميزة والمتفردة.
العيد وحركة السير
يقترب العيد وترتفع معه حركة السير، فعائلات تنزح من القرى إلى المدن، وأخرى تقصد ذويها في مدن مجاورة، أو بعيدة وذلك للطابع المميز لهذه المناسبة، ونظرا للحالات الاستثنائية يرتفع عدد المسافرين، وترتفع حركة السير في المجال الحضري والقروي مما قد يؤدي أحيانا إلى حوادث سير مأساوية، يذهب ضحيتها الكثيرون.
فتتحول بهجة اللقاء بالأهل والأحباب إلى جنازة، وتعم القلوب مشاعر الحسرة والأسى على فقدان الأحبة، وتتحول أصداء العيد إلى أصداء ممزوجة بالعتمة والحزن..
فليست أجواء هذه المناسبة دوما مميزة.
كما أن بعض شركات النقل تستغل مثل هذه المناسبات لتكوي المواطن الذي لا حول ولا قوة له بتسعيرات النقل الملتهبة، حيث يتضاعف ثمن تذكرة الحافلات عن الأيام العادية ويصبح المواطن أمام هذا الغلاء محتارا، خصوصا أن متطلبات المناسبة لا حصر لها.. فيعيش في شتات لا نظير له..
العيد والأسواق
فباقتراب هذه المناسبة تزدان الأسواق بحلة جديدة، وتتنوع تشكيلاتها، وتختلط وتمتزج فيها الأصوات، وكأن الناس لا تستهلك إلا في العيد.
إذن في هذه المناسبة تتناغم وتتشكل المعروضات والمنتوجات، ويقبل الناس على التبضع بكيفية تختلف عن الأيام العادية، فلربما العيد هذا الزائر الذي يستثقله البعض، ويتسحسنه البعض الآخر، يحتم على البعض التسوق بشكل غير عادي وكأنه يعيش على وقع الخوف من نفاذ البضاعة من السوق، وكأننا مقبلون على سنة جفاف وقحط، مع أن ديننا الحنيف ينهى عن التقتير والتبذير.
إذن فشتان بين تعاليم ديننا السمح، وتصرفات وطبائع البعض من الناس، فالغالبية تسعى إلى أن تجعل من موائد العيد موائد متناغمة، وكأنها لوحات فنية زاخرة بشتى الألوان لتعكس من خلالها بذخها وتشكيلات أذواقها.
العيد والأطفال
يأتي العيد ويحار الآباء في إرضاء الأطراف، فهل يرضي الزوج الزوجة بشراء “كبش” يناسب تطلعاتها، أم يرضي الأطفال بمتطلباتهم من ملابس جديدة وما إلى ذلك..
يتحول الزوج المسكين إلى كرة تتقاذفها الأقدام، أقدام الزوجة من جهة، وأقدام الأطفال من جهة أخر، وما بين الطرفين يتحول هذا الأخير إلى لعبة، فيعيش المأساة بذل الفرحة، فهل يعادل شتاته هذا فرحة العيد؟.
العيد تشكيلات، ألوان، أحزان وأتراح.
وكما أسلفت فهناك من يقضي لحيظات العيد التي تنقضي بسرعة، وكأننا في العيد في سباق مع الوقت في المستشفيات، فلا يتحسس نكهة العيد، بل يغرق في الجراح التي ألمت به دونما تحسب، خصوصا بعدما أصبح طريح الفراش يصارع سكنات الموت.
وياليتاه موت عادٍ، بل هو موت قادته إلىه الأقدار بغتة، نتيجة حرب الطرقات القاتلة، فبعدما كان يتمتع بكامل صحته، أصبح في عداد الأموات، أو الأحياء الأموات (الإعاقة، التشوهات…).
إذن العيد الذي كان نحرا تحول إلى انتحار، وأي نحر مع كل هاته المآسي، فالعيد أشكال وتشكيلات.. للبعض فرحة وللآخرون مأساة.
- >بني جلدتي تريثوا لا تأخذوا العيد بكل حماقة وتسرع، لا تحولوا حياتكم إلى مأساة، فديننا الحنيف بعيد كل البعد عن كل هاته التمظهرات والتجليات التي أصبحت سارية في أوساطنا الاجتماعية، والتي لا تمت لديننا ولا لواقعنا الإسلامي بأية صلة، فبدع كلها تلك الحماقات التي تجعل الناس يعيشون في سباق مع الوقت بقصد توفير “الأضحية”، وحماقة أكبر أن نضطر إلى سلوكات خرقاء تفقد العيد بهجته وحلاوته..<.
ذة. سعيدة الرغوي