بعض الأحيان يتحرج الإنسان من مجموعة من العوامل الذاتية والخارجية فيرى الواقع على غير حقيقته ويقرؤه قراءة عجلى معتمدا في نظرته لهذا العالم على آليات معدودة ووسائل محدودة، إنها آليات بشرية ضعيفة لا تتجاوز الظواهر ولا تتعدى إلى الأعماق لتعثر على الحقيقة الغائبة، وحتى وإن كان يملك الإنسان الآليات العلمية والعوامل المعرفية وإن تفانى في البحث يتيه ويخطئ كما تاه كثير من العلماء بمختلف أجناسهم وخلفياتهم عندما تبنوا العقل كمصدر وحيد للمعرفة لكن في الحقيقة الإنسان مفتقر إلى شيء أكبر وأقوى من العقل وهو الوحي، لذلك حينما ننظر إلى العالم الغربي وأصل الكفر من منظار بشري نُخطئ الحساب، فنراهم كأنهم صف واحد وأنهم يد على من سواهم وأنهم أمة واحدة متماسكة متآزرة، لكن الحقيقة عكس ذلك تماماً وقطعاً يقول تعالى في كتابه : “…تحسبهم جميعا وقوبهم شتى” سورة الحشر الآية 14. إنها الحقيقة المنسية، أو الغائبة عن عقولنا. يقول سيد قطب nرحمه الله- في الظلال : “…والمظاهر قد تخدع فنرى تضامن الذين كفروا من أهل الكتاب فيما بينهم ونرى عصبيتهم بعضهم لبعض كما نرى تجمع المنافقين أحيانا في معسكر واحد ولكن الخبر من السماء يأتينا بأنهم ليسوا كذلك في حقيقتهم وإنما هو مظهر خارجي خادع وبين الحين والحين ينكشف هذا الستار الخداع فيبدو نزاع داخل المعسكر الواحد قائم على اختلاف المصالح وتفرق الأهواء” لكن متى سنرى هذا النزاع والتفرقة بين أهل الكفر؟سيشهد الإنسان ذلك التضارب والاختلافات “ما صدق المؤمنون وتجمعت قلوبهم على الله حقا… وما صبر المؤمنون وثبتوا إلا وشهدوا مظهر التماسك بين أهل الكفر ينفسخ وينهار…” فأصل الكفار لا يتحدون اتحاداً مستمراً ولا يقفون صفاً واحداً عند كل الأمور، لأن المصالح والأغراض والأهواء مختلفة تبعاً لتشتتقلوبهم وعقولهم. والقرآن عندما يبلور هذه الحقيقة ويجعلها واضحة إنما يفعل ذلك لأجل الاعتبار والتعلم والاطمئنان… فالاطلاع على الخصم ومعرفة عدده وعدته يُطمئن المسلم في المعركة فرحاً منتصراً على نفسه فالمؤمنون بالله ينبغي أن يدركوا حقيقة حالهم وحال عدوهم فهذا نصف المعركة” نستفيد أن الشقاق والاختلاف والتفرقة من شأنه أنه يؤدي إلى الهزيمة لا محالة سواء كان هذا الشقاق في الصف المسلم أو في الصف الكافر وهذه المعرفة تحتم علينا قطعاً أن نتحد ونتآلف ونتصالح وأن نكوِّن صفا واحدا وصوتا واحدا وجسدا واحدا عبر امتداد الجغرافية التي يوحد بها المسلمون فالاتحاد قوة الضعفاء سواء في العالم الإنساني أو العالم الحيواني… هذه هي الحقيقة فهل سننساها مرة أخرى؟.
محمد بعزاوي