الليلة الأخيرة من شهر رمضان الأبرك، حلق بنا الإمام بصوته الرخيم ـ خاتما لكتاب الله ـ في أجواء إيمانية لا يمكن أن يشعر بها إلا المسلم الذي أنعم الله عليه بالعيش في رحاب هدا الشهر الفضيل صياما وقياما… غادرت المسجد وشَهْدُ الصلاة يقطر حلاوة على قلب كادت العادة أن تورثه البلادة، اجتزت الشارع وأنا أتملى فرحة العيد في عيون الناس، يا آ لله أحمدك على نعمة الإسلام… عرجت على محل لبيع الحلويات، واشتريت قليلا منها توسعة على العيال في العيد السعيد.. وأنا خارج من المحل استوقفني جيش من المتسولين، كل منهم يعزف على وتر الجوع بلحنه الخاص، كان من بينهم صبية في عمر الزنابق..
أحسست بالفرحة تنسل من بين جوانحي، بينما صوت المتنبي يهتف بي :
عيد بأي حال عدت يا عيد
بما مضى أم لأمر فيك تجديد؟
كتمت ألمي وأنا أتساءل : تر ى من المسؤول عن الحالة التي وصلإليها البلد؟ أهي الدولة بمعنى الحكومة أم الرعية التي استمرأت طريقة الكسب الهين، أم هي الأحزاب السياسية التي بدل أن تؤطر المواطن وتقحمه في مسلسل التنمية، راهنت عليه كورقة انتخابية، أم هي منظمات المجتمع المدني التي لم تستطع أن تنتج مشروعا ثقافيا يتماشى وحاجيات المجتمع؟؟
لا جرم أننا كلنا معنيون بهده المعضلة التي شوهت صورة المغرب على الصعيدين الداخلي والخارجي، فالحكومة معنية، وعليها وضع حد لسياسة “الرواق” وديمقراطية الواجهة، والشعب معني وعليه أن يشمر على ساعد الجد، ولا ينتظر من أحد أن يطعمه أو يجد حلا لمشاكله، والأحزاب معنية بترسيخ ثقافة الشعور بالمسؤولية بدل سياسة التسويف وإلقاء اللائمة على الآخر، ومنظمات المجتمع المدني هي الأخرى مسؤولة على اختلالات الوضع الثقافي الراهن، الذي جعل غالبية الشعب يستمرئ طريقة البحث السهل عن اللقمة… هنا تكمن التنمية الحقيقية، حينما يعرف كل واحد منا واجبه تجاه هدا الوطن الذي أنعم الله عليه بثروات لم نحسن استغلالها.. ويومها لن يسرق أحد منا فرحة العيد، حتى ابتسامة البراءة على شفاه أطفالنا، ولن ينطبق علينا المثل المصري الشهير”جَاتْ الحزينة، تفرح، مَالْقَاتْ لََها مَطْرَح” والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
ذ. أحمد الأشهب