من المعلوم عند كل مؤمن مسلم أن نِعَمَ الله عليه كثيرة كثيرة، ولو ظل يعدها منذ خلق إلى أن يتوفاه الله. ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فهي تفوق الحصر مصداقا لقوله تعالى : {وإن تعدوا نعمة الله لا تُحصوها}(ابراهيم : 36).
لكن أمنها عليه وأعظمَها، نعمة الإسلام والإيمان وأن يكون من أتباع الحبيب المصطفى . ولقد أحسن الشاعر إذ قال :
وممّا زادني شرفا وتيها
وكدت بأخمصي اطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي
وان صيرت احمد لي نبيا
أما إذا أضفت إلى هذا الشرف والفخر تكريمه بالقرآن العظيم، فإن هذا الشرف سيبلغ اقصاه ومنتهاه، فهيا أخي لنقف وقفة قصيرة مع بعض أسماء هذا الكتاب المطهر المصون، مستحضرين أرواحنا وقلوبنا عسى الله أن يجعله ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء احزاننا وذهاب همومنا وغمومنا.
فمن أسماء القرآن.”الفرقان” وقيل سمي هذا الاسم لأنه نزل مفرقامنجما. قال الله عز وجل : {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا}(الإسراء : 106). وقيل سمي بهذا الإسم لأن الله فَرَّق به بين الحق والباطل والخير والشر، والهدى والضلال والإيمان والكفر وغيرها من الأضداد التي تبدو واضحة لمن تدبره وخصوصا إن كان من أهل التقوى لقوله عز وجل : {إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم}(الأنفال : 29).
ومن أسمائه أيضا القرآن مأخوذ من قرأ يقرأ بمعنى تلا يتلو، قال سبحانه : {أتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة}(العنكبوت : 45) وأيضا قوله تعالى : {إقرأ باسم ربك الذي خلق}(العلق : 2). فالقراءة هنا بمعنى التلاوة، وقد يحمل بعض العلماء معنى القراءة هنا على الجمع والضم من القرء وهو الجمع وقد تستغرب من هذا المعنى لأول وهلة، لكن أدلتهم التي قد تكون راجحة، وأولها أن النبي وبعد تأمله في حال قومه وما هم عليه من عبادةالأحجار تيقن لديه أن هذه الأحجار لا يمكن أن تكون آلهة تنفع أو تضر، وتعطي وتمنع وتحيي وتميت وتخلق وترزق، فانطلق يبحث عن إلهه الحق، ومن ذلك تحنثه وتعبده الليالي ذات العدد في غار حراء، وفي هذه المرحلة كانت عبادته هي “الجمع” يَجْمع المخلوقات ويضيف بعضها إلى بعض عَلَّه يهتدي إلى سبيل الأقوم ، سماء ، أرض، جبال، بحار، نجوم، حجارة، بشر، هكذا جمعه وبما أنه لا يعْرف الأصل أي أصل المخلوقات وصانعَهَا فجمعه يكون بدون نتيجة إلى أن جاءه جبريل من عند العظيم الجليل مخاطبا إياه بقوله : {اقرأ باسم ربك الذي خلق} فدله على أصل المخلوقات أي اجمع باسم ربك الذي خلق، فهكذا تكون قراءة الكتاب المنظور الذي هو الكون، قال تعالى : {قل انظروا ما ذا في السماوات والأرض وما تغن الآيات والنذر عن قوم لا يومنون}(يونس : 101).
تأَمَّلْ سُطور الكائنات فإنها
من المَلِك الأعلى إليكَ رسائل
وقد خُطَّفيها لو تأمَّلْتَ خطها
ألا كُلُّ شيء ما خلا اللهَ باطلُ
تشير بإثبات الصفات لربها
فصامتها يهدي ومن هو قائل
وثاني أدلتهم أن النبي لما جاءه جبريل في الغار لم يكن معه أي كتاب كما هو محقق عند علماء السير. فما ذا يقرأ؟.
أما ثالثها فقولهم حتى لو فرضنا أن جبريل جاء معه بكتاب فالنبي لم يكن يعرف القراءة ولا الكتابة. فكيف يقرأ؟ أو بعبارة أخرى كيف يكلف ما لا يطيق، ولا تكليف إلا بطاقة وهذا لا شك أنه يوقعه في الحرج و”الحرج شرعا مرفوع” كما هو مقرر عند علماء الأصول.
ولهذا كانت إجابته ما أنا بقارئ. أي أنا لا أعرف القراءة، ولا تفهم من قول النبي ما أنا بقارئ أنه يمتنع عن القراءة ويقول لا أقرأ، كما كان فهمي وأنا صغير فقد تبين لك ذلك.
وقيل سُمي بالقرء لأنه جُمع حرف إلى حرف وكلمة إلى كلمة وآية إلى آية وسورة إلى سورة وهكذا قرآنا أي مجموعا.
ومن أسمائه كذلك الذكر وله معان منها التذكير واستحضار المغيبات في الذهن والقلب أو بتعبير آخر الانتقال بالروح من عالم الشهادة إلى عالم الغيب وكأنه رأي العين، كما عرَّف النبي الإحسان بقوله في حديث جبريل “هو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك” فالقرآن كله يذكر بهذا المعنى، قال جل وعلا {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}.
وقال سبحانه : {فذكر إنما أنت مذكر} فمهمته التذكير ولقد كانت جميع أقواله وأفعاله وحركاته وسكناته كذلك، وقد يراد بكلمة الذكر الإسلام وشرائعه، قال الله تعالى في سورة طه : {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا} أي ضيقة وقال في سورة الزخرف : {ومن يعش عن ذكر الرحمان نقيض له شيطانا فهو له قرين} ففي هاتين الآيتين الذكر بمعنى الإسلام.
ومن معاني الذكر العز والشرف والمجد كما في قوله تعالى : {لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم} أي شرفكم وعزكم وجاء هنا محصورا لأن الجار والمجرور إذا تقدم على محموله يفيد الحصر كما هو معلوم عند النحويين، ومعناه أنه لا عز لكم ولا مجد لكم إلا بهذا الكتاب وما ذَلَّت الأمة وضربت بالنعال على أم رأسها إلا يوم أن ضيعت مصدر عزها القرآن ونبذته وراء ظهرها ولم تحوله إلى واقع عملي كما كان سلف الأمة بل جعلته لوحات تعلق على الجدران أو في علب مزخرفة ليهدى إلى علية القوم في المناسبات، ناهيك عن تلاوته في المآثم وعلى الأموات، والشرف أيضا هو المقصود في قوله تعالى {وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون}.
ومن ألطف أسماء القرآن الروح، قال تعالى : {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان} فالروح تبعث الحياة في الأموات والقرآن يحيي الكافر بالإيمان والضال بالهدى والمبطل بالحق والشقي بالسعادة ويحيى الجاهل بالعلم كما قال الشاعر :
وفي الجهل قيل الموت موت لأهله
و أجسامهم قبل القبور قبور
أرواحهم في وحشةمن جسومهم
فليس لهم حتى النشور نشور
ومن أسماء القرآن اسم النور، وليس الذي يخبط في الظلمات خبط عشواء كمن له نور يتقي به المهالك وأعَظِم بالتعبير القرآني : {أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها }.
ويسمى أيضا الشفاء. قال الله سبحانه : {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمومنين}(الإسراء) وقال سبحانه : {ياأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمومنين}(يونس)، وفي الحديث : “عليكم بالشفاءين القرآن والعسل” فهو شفاء لجميع الأمراض النفسية والجسدية والاجتماعية والاقتصادية وبالجملة لجميع أمراض الحياة وكيف للأدواء أن تقاوم كلام رب الأرض والسماء.
قال ابن القيم في زاد المعاد : “من لم يشفه القرآن فلا شفاه الله ومن لم يكفه القرآن فلا كفاه الله”.
أما كلام الله فلا يخفي أحد أنه إسم للقرآن. قال تعالى : {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله” والكلام يقتضي متكلما ومتكلَّما معه وناقلا للكلام ومضمون الكلام، فالمتكلم هو الله الحي القيوم رب الكون ومليكه ممسك السموات والأرض أن تزولا : {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتاإن أمسكهما من أحد من بعده}(الحج).
والمتكلَّم معه هو أنت أيها الإنسان حامل الأمانة التي فرت منها السماوات والأرض والمسخر لك كل ما في السماوات والأرض. قال تعالى : {وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه}. فاقرأ القرآن وكأن الله يقرأُه عليك فإن لم تستطع فاقرأه وكأن الله يستمع إليك” كما قال بعض السلف أما ناقل الكلام فلا يخفى عليك حبيبك المصطفى أفضل الخلق وأكرمهم على الله والقرآن الكريم هو مضمون الكلام فتمسَّك به أخي فإنه حبل الله المتين من تمسك به نجا ومن زاغ عنه هلك، قال النبي :”أبشروا أبشروا.. اليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قالوا بلى، قال فإن هذا القرآن سبب “ـ حَبْل ـ طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدا” صححه الألباني في السلسلة. جعلنا الله من المتمسكين به آمين آمين والحمد لله رب العالمين.
يوسف المسعودي