المنحة أم الحجاب؟!
خيرتني إدارة كلية الطب بروما أواخر الثمانينات…
شرحت لهم ما ذا يمثل لي حجابي… لكن، دون جدوى.
كنت أحمل نسخة معاني القرآن الكريم بالإيطالية، التي أهْدانيها أستاذ لي بالمدرسة الإيطالية بطنجة، ضاحكا :
- أهديك معاني القرآن بالإيطالية، لتتسلي به عطلة آخر الأسبوع الممطر!
وقبل أن أشكره، أضاف :
ـ سأعتنق الاسلام… أتعرفين لماذا؟!
ثم انحنى علي مقهقها :
ـ لأتزوج من اربع!
عكفت على الكتاب… الأسئلة التي كانت تؤرقني أجد جوابها بين دفتيه
كم سعدت وشعرت بغربة قاتلة… أعيش بين أسوار هذه المدرسة منذ ولادتي، فأبي حارس لها.. يحفظ القرآن الكريم … وتحرص أمي على نفض الغبار عن المصحف الذي يزين مدخل بيتنا، لم أقرأه قط، لأني لا أعرف العربية بتاتا. وكنت أرى أمي وأبي يصليان ويقومان بحركات معينة…فأي حيرة تنتابني؟!
تصحو روحي بالقرآن، يخترق الآذان كياني.. اقبل على الصلاة وتعلمها، لساني لا يطاوعني في حفظ الفاتحة… في أول سجود لي ارشف السعادة الحقة.. وتستمر رحلتي مع القرآن، ومع الله..
تنتدب المدرسة طبيبا نفسيا من قدماء تلاميذها لعلاجي، ظنا منها أني أعاني أزمة نفسية… لكن الطبيب لم يفهمني، وكل ما قاله:
ـ الدين شيء غيبي، عيشي حياتك بكل مباهجها!
ابتعثتني المدرسة إلى روما لتفوقي.. افتقدت الآذان ومآذن طنجة وحضن أمي.. لكن القرآن الكريم كان أنيسي في غربتي.. أفلت يوما من محاولة اعتداء رجل في الشارع، وفي واضحة النهار، لم ينقذني أحد. وتذكرت استهزاء أستاذي من الاسلام.
ارتديت الحجاب.. خيرتني إدارة الكلية بينه وبين المنحة.. فاخترت المنحة التي منحني الله إياها : حجابي، وعدت مرفوعة الرأس إلى وطني!
………………….
* القصة بتفصيل في المجموعة القصصية “وللتراب عشق آخر” للمؤلفة /الناشر ومكتبة سلمى الثقافية بتطوان (2006).