8- حق الطلاق والخلع
إن المنحى الذي ذهبنا إليه في مفهوم الضرب يؤصل لبناء الأسرة في الإسلام، على المساواة الإنسانية، والاختيار والكرامة -حيث لا مجال للقهر والعنف والإهانة- التي تصدر غالبا حتى في عصرنا من الزوج في حق زوجته – وعلى حق الافتراق وإنهاء العلاقة الزوجية بالحسنى، {وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته} (النساء :130 ) وذلك إذا انتهى الأمر بالزوجين إلى حالة يعسر فيها دوام العشرة.
وللزوج حق الطلاق :{وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن}(البقرة : 232 ) إنما الطلاق لمن أخذ بالساق(1). واعتمادا على هذه النصوص وغيرها كان الطلاق في الإسلام بيد الرجل يوقعه على زوجته متى خاف الوقوع في الظلم، ولعل الحكمة من هذا التشريع كما علل ذلك عدد من الفقهاء يرجع إلى طبيعة المرأة التي يغلب عليها منطق العاطفة والأحاسيس الرقيقة التي تتأثر أحيانا لأتفه الأسباب بحيث تكون مطية لمشاعرها باعتبار أن تكوينها البيولوجي وتركيبتها تطفح عادة رقة ونعومة، بينما يغلب على سلوك الرجل وتصرفاته منطق العقل والحكمة الذي يتغلب به على مشاعره وأحاسيسه في كثير من الأحيان.
وإذا كانت الدراسات العلمية التي أنتجها علم النفس والعلوم البيولوجية قد أكدت صحة هذه الخصوصيات التي انماز بها كل واحد من الجنسين، فإن من الحكمة والمنطق والعقل أيضا أنه متى توفرت المرأة على القدرات والاستعدادات النفسية والجسيمة التي ترتفع بها إلى مستوى تغليب العقل على العاطفة والمنطق على المشاعر أن يكــون لها الحق في ممارسـة حق طلب الطلاق بصورة عامة أو مشروطــة بحالات وعوارض تظهر على سلوك الـزوج وتصرفاتـــه، مما يجعلها في مثـــل هــذه الحالات متساوية معه في حق الطلاق، ولا يعني هذا إنكار العقلانية والمنطق عن المرأة، والمشاعر والأحاسيس عنالرجل، ولكن طبيعة الحياة وتقلباتها، والمعارك التي يعيشها الرجل خارج البيت لمواجهة العديد من الصعاب، جعلت منه إنسانا أكثر قدرة على ضبط النفس والتحكم في نزواته أكسبته قدرة على ضبط عواطفه وأحاسيسه في تعامله مع الآخرين وخاصة زوجته وأسرته، في حين أن المرأة التي جعلها المجتمع الإسلامي لا تواجه مثل تلك المعارك والصعوبات والتقلبات وما شابهها، وصانعا بأن جعل الرجل في خدمتها، عادة ما يكون لعواطفها ومشاعرها أشرف تعاملها مع الآخرين، وفيما تتخذه من قرارات.
ولكن الملاحظ – في عصرنا هذا- أن الأزواج يستخدمون الطلاق أحيانا بسبب نزوة طارئة أو رغبة طائشة، دونما احتكام أو تدخل من الأهل والأقارب أو سلطة شرعية تخفف من الغلو في استعماله باعتبار أن الطلاق لغير حاجة حرام، أو إذا نشأ عنه إجحاف بالمرأة وظلم لها، لما يترتب عليه من الأضرار النفسية والاجتماعية والمادية، وعدم تعويض المرأة ما يعوضها عن الآلام والمشاكل التي تترتب على الفراق.
ومدونة الأسرة لسنة 2003 في محاولة لضبط شؤون الطلاق الذي “هو أبغض الحلال إلى الله”(2) والحد من الشطط في استعماله جعل حل ميثاق الزوجية يمارسه الزوج والزوجة تحت مراقبة القضاء بما يستلزمه ذلك من طلب الإذن من المحكمة التي تعمل أولا على محاولة الإصلاح بين الزوجين حتى “إذا تعذر ذلك” حددت المحكمة مبلغا يودعه الزوج بكتابة الضبط بالمحكمة داخل أجل أقصاه ثلاثون يوما لأداء مستحقات الزوجة والأطفال الملزم بالإنفاق عليهم “مع ما قد يكون هناك” من صداق موفر ونفقة العدة والمتعة التي يراعى في تقديرها فترة الـــزواج والوضعيـــة الماليـــة للزوج وأسباب الطلاق ومدى تعسف الزوج في توقيعه “مع بقاء” الزوجة خلال العدة في بيت الزوجية…أو في مسكن ملائم لها وإذا تعذر ذلك حددت المحكمة تكاليف السكن”، وهذا في غير ما “إذا ملك الزوج زوجتهحق إيقاع الطلاق، فلها أن تستعمل هذا الحق عن طريق تقديم طلب إلى المحكمة”(المواد :83 -84 -85 -89 -مدونة الأسرة 2003 ).
هذه الترتيبات التي سلكتها المدونة في أجراء الطلاق مع ما تستلزمه من إجراءات وتعقيدات مسطرية ومحاولات صلحية تتطلب وقتا قد يمتد ويطول أحيانا، من شأنها أن تلحق أضرارا بالزوج الذي لا يحق له أن يتزوج ما دامت الزوجة المطلقة طلاقا رجعيا في عدة أو استبراء حيث اعتبرت المدونة ذلك في الباب الثاني من الموانع المؤقتة للتعدد، الأمر الذي يجب معه البت في نزاعات الطلاق بما لا يلحق ضررا بالأزواج خاصة والشارع لم يعتبر الزوج المطلق طلاقا رجعيا لزوجته الوحيدة في حالة عدة.
وإذا كان للزوج في حالة الشقاق(3) واستحالة العشرة حق الطلاق، فإن للزوجة حق الخلع {فلا جناح عليهما فيما افتدت به}(البقرة :229 ) دونما تعسف من الزوج أو عضل للزوجة لإرغامها على طلب الخلع وابتزازها طمعا فيما عندها أو تضييقا بها كما هو السائد في زماننا هذا باعتبار أنها إن كرهت زوجها، فقد أباح لها الإسلام أن تنهي علاقتها بزوجها عن طريق الخلع الذي هو حق لها تفتدي به نفسها، ولكننا نلاحظ أن مئات الحالات يتم فيها الطلاق، قبـل أن تتــم حــالة واحــدة من الخلع بسـبب الهيمنة
وتحكم الزوج واختلال المقاييس والمعايير، حيث أصبح تحقيق خلع المرأة لزوجها دونه خرط القتاد، على الرغم من مشروعيته.
وإذا كانت آية الخلع لم تحدد القدر المادي الذي تفتدي به الزوجة نفسها، فإن السنة النبوية قد بينت ذلك وحددته في إرجاع مقدار المهر الذي دفعه الزوج لها : أتردين عليه حديقته؟ قالت : نعم، فقال مخاطبا الزوج ثابتا بن قيس : اقبل الحديقة وطلقها تطليقة(4) والفقهاء على اختلاف فيما تختلع به المرأة، فالمالكية والشافعية وجماعة من الفقهاء، أجازوا أن تختلع المرأة بأكثر مما أخذته من زوجها صداقالها إذا كان النشوز من قبلها، وبمثله وبأقل منه، والمتمسكون بظاهر الحديث قالوا ليس له أن يأخذ أكثر مما أعطاها، وإذا “أثبتت المرأة أن خلعها كان نتيجة إكراه أو إضرار الزوج بها فلها أن تسترجع ما خالعت به زوجها”(المادة 117 من مدونة الأسرة).
كما أن الزوجين إذا اتفقا على مبدأ الخلع واختلفا في المقابل، رفع الأمر إلى المحكمة لمحاولة الصلح بينهما، وإذا تعذر الصلح حكمت المحكمة بنفاذ الخلع بعد تقدير مقابله، مراعية في ذلك مبلغ الصداق وفترة الزواج وأسباب طلب الخلع والحالة المادية للزوجة، وإذا أصرت المرأة على طلب الخلع ولم يستجب لها الزوج يمكنها اللجوء إلى مسطرة الشقاق (مدونة الأسرة المادة : 120).
———
1- رواه ابن ماجة.
2- أخرجه أبو داود.
3- رواه البخاري.
4- إذا حدث بين الزوجين شقاق توسط بينهما من يستطيع التأثير عليهما من أهلهما فإن عجزوا عن الإصلاح واشتد الشقاق إلى درجة يخشى معها الخروج عن حدود الله صحت المفارقة، وحكمت المحكمة بالتطليق وبالمستحقات طبقا للمواد التي سبقت الإشارة إليها : 83 -84 -85 – من مدونة الأسرة وهذا الذي عليه المذهب المالكي الذي يحكم بالتفريق الإجباري القضائي بين الزوجين عن طريق تحكيم المجلس العائلي حيث أعطى للزوجة المظلومة حق الافتراق عن الزوج الذي يسىء عشرتها.
ذ. عبد الحي عمور