مفهوم التنمية المحلية:
كثيرة هي التعاريف التي تعطى لمفهوم التنمية المحلية، ولكنها كلها ومن خلال الكلمتين المكونتين للمصطلح تتفق على أن الأمر يتعلق بعملية تنمية مجال ترابي محدود (محلي). فمفهوم التنمية سبق التعريف به في عدد سابق، أما كلمة “المحلية” فهي تعني المجال الترابي الأقرب للسكان، أو الإطار الجغرافي الأصغر الذي تعيش فيه جماعة من السكان. هذا الإطار الجغرافي يمكن أن يكون الوحدات المجالية الناتجة عن التقطيع الإداري كالجماعات المحلية والدوائر والقيادات والمقاطعات، والذي في الغالب ما لا يعطي اهتماما كبيرا للخصوصيات الجغرافية (البشرية والطبيعية)، ويمكن أن يكون عبارة عن المجال المعيشي المرتبط بالهوية الجماعية للساكنة كالقبيلة والعشيرة و”الدوار” و”المدشر” و”القصر” و”القصبة” و”القلعة”…
فالتنمية المحلية مسلسل يهدف إلى الرفع من المستوى المعيشي للسكان في مجال ترابي معين عبر تنويع وتطوير الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، وبواسطة تفعيل وتنسيق موارد وطاقات هذا المجال الترابي. هي عملية تحدث تحولات منظورة، سواء على المجال أو على السكان، أو ما يعرف بالتقدم. وتستهدف التنمية المحلية أيضا فك العزلة عن المناطق النائية أو المهمشة وإدماجها في النسيج الاقتصادي والاجتماعي الوطني.
ومن الشروط الأساسية لقيام تنمية محلية حقيقية:
- إشراك جميع الفاعلين المحليين في مسلسل التنمية المحلية، أو تطبيق المقاربة التشاركية
- ضرورة القيام بتشخيص جماعي تشاركي للمجال الترابي المحلي وتحليله وتحديد نقاط القوة والضعف فيه
- ضرورة أن يكون هناك مخطط تنموي تشاركي يحدد الأولويات المشتركة، وبرنامج عمل يحدد المشاريع ويقترح الشراكات الممكنة لتنفيدها
دواعي التنمية المحلية:
ظهر مفهوم التنمية المحلية كسائر المفاهيم المرتبطة بإعداد التراب، في الخمسينات من القرن الماضي، أي بعد الحرب العالمية الثانية وفي خضم الانشغال بمشاريع إعادة الإعمار. وهو إجابة عملية لسياسة اللامركزية، التي تعني القضاء على المركزية المتمثلة بالأساس في تركز الاقتصاد والمرافق العمومية من المستوى العالي (كالمستشفيات المتخصصة والمعاهد العليا ومراكز البحث العلمي) والتجهيزات الأساسية الكبرى (كالموانئ والمطارات) في قطب واحد (غالبا العاصمة وما حولها)، والتي من عيوبها:
- الانهيار الشامل للاقتصاد الوطني وللبلاد في حالة تعرض هذا القطب للخراب الناتج عن الحروب أو الكوارث الطبيعية
- عدم الاستفادة من المؤهلات البشرية والطبيعية التي تزخر بها باقي أقاليم ومناطق البلاد
- استمرار تدفق الهجرة إلى القطب الوطني، وما يتبع ذلك من مشاكل اجتماعية جمة: ارتفاع البطالة، توسع الأحياء العشوائية، انتشار الأمراض الاجتماعية بكثرة كالتسول والتشرد والإجرام…
والمفهوم ظهر أيضا كحل أنجع لإحداث التنمية الشاملة، فالطريق الوحيد للتنمية الشاملة هو التنمية الأفقية التي ينخرط فيها كل السكان والتي تشمل جميع المناطق المكونة للتراب الوطني. فالدولة مثلا ترسم الأهداف والتوجهات المطلوبة لتقدم كل قطاع، والتطبيق يتم من المحلي إلى الوطني.
ومن بين الدوافع أيضا للتنمية المحلية هو تنويع النشاط الاقتصادي في مجال ترابي محدد، فلقد تبين من خلال التجارب المختلفة أن اقتصار منطقة ما على نشاط اقتصادي واحد، يؤدي إلى انهيار اجتماعي شامل لهذه المنطقة وليس فقط للاقتصاد المحلي. والمثال الجلي والمعروف لمثل هذه الوضعية يتمثل في المناطق المنجمية التي يقتصر نشاطها على استغلال منجم معين، وعند نفاد المعدن المستخرج من هذا المنجم، تصاب المنطقة بأزمة اقتصادية واجتماعية كبيرة، مما يضطر السكان إلى مغادرة المنطقة والهجرة إلى مناطق أخرى والبداية من الصفر إذا ما كانت هناك بداية. وبالتالي فالحل يكمن في عدم اقتصار الاقتصاد المحلي على نشاط واحد أو قطاع واحد، بل يجب تنويعه وإدخال أنشطة اقتصادية أخرى.
آفاق التنمية المحلية بالمغرب:
في المغرب، وحسب المخطط الوطني لإعداد التراب، فإن القطاع الفلاحي لا يمكن أن يوفر الدخل القار إلا لخمسة ملايين من سكان العالم القروي الذين يقدرون بحوالي 14 مليون نسمة، أي أن ما تعداده تسعة ملايين نسمة ينبغي أن يوفر لهم دخل قار في قطاعات أخرى من غير القطاع الفلاحي، مثل السياحة القروية والصناعة التقليدية والصناعات الغذائية… وهذا ما يدفعنا إلى تصحيح الصورة المعروفة للمغرب كبلد فلاحي، والواقع أنه بلد قروي لا غير، حيث ما يزال يعيش عدد كبير من السكان في الوسط القروي، ونسبة كبيرة منهم تعاني من الفقر المدقع، ومعظمهم يعيش على تحويلات من يعملون منهم في الخارج أو في المدن… لذا فالتنمية المحلية هي الوسيلةالمثلى للرفع من المستوى المعيشي للساكنة القروية وللحد من الهجرة القروية نحو المدن، وهي الوسيلة الناجعة أيضا للرفع من مستوى التنمية البشرية لبلادنا، فلا تنمية بشرية بدون تنمية محلية، ولا تنمية محلية بدون مجتمع مدني محلي.
ذ.أحمد الطلحي