الحمد لله، والصلاة على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
“ليست ظاهرة الخطف واتخاذ الرهائن من خصوصيات هذا العصر، بل عرفها الإنسان في مراحل تاريخية سابقة، لكنّها أصبحت اليوم كثيرة بشكل لافت، وذلك بسبب الظلم الكبير اللاحق بالشعوب المستضعفة من قبل الدول الكبرى المتسلّطة، ولعدم امتلاكها السلاح المكافئ لردّ العدوان عنها. ولمَّا كان بعض المسلمين يلجأون إلى هذه الأساليب ويتوسّعون فيها، خارجين بذلك على الحدود الشرعية؛ فقد أردنا بهذه الفتوى بيان الأحكام الشرعية المتعلّقة بذلك ونلخّصها فيما يلي:
أولاً: الخطف هو اعتداء على الغير، سواء كان مسلماً أم غير مسلم، وهو نوعٌ من أنواع البَغْي الذي نهى الله عنه وحَّرمه بقوله: {إنّ الله يأمر بالعدل لإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي}(النحل: 90)، ومنالمعلوم أنّ الأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ليس محصوراً في المسلمين، فيكون النهي عن البغي أيضاً عاماً لجميع الخلق. وإذا كانت فطرة الإنسان تدعوه إلى ردّ العدوان حين يقع عليه، إلاّ أنّ الله تعالى أباح ردّ الاعتداء بمثله فقط: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم، واتقوا الله واعلموا أنّ الله مع المتّقين}(البقرة: 192)، {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتد}(البقرة:190) وأكّد الله تعالى أنّ مجرّد الاختلاف الديني حتى لو دخل مرحلة الصراع لا يسوِّغ الاعتداء على الآخرين. قال تعالى: {..ولا يجرمنّكم (أي لا يحملنكم) شَنَآنُ (أي بغض) قوم أن صدّوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا}(المائدة: 2).
ثانياً: الخطف يعتبر من الأعمال الحربية. فهو إذا جاز استثناءً أثناء قيام حرب فعليّة، فإنه لا يجوز إطلاقاً خارج نطاق الحرب.
1- روى الطبري في تفسيره (26/59) عن مجاهد قال: >أقبل معتمراً نبي الله فأخذ أصحابه ناساً من أهل الحرم غافلين، فأرسلهم النبي < وذلك لأنه خرج معتمراً فلم يعتبر نفسه في حالة حرب مع المشركين.
2- كما لم يقرّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم اختطاف سلمة بن الأكوع لأربعة من المشركين بعد صلح الحديبية ظناً منه أنّ المشركين نقضوا الصلح، وقال : >دعوهم يكن لهم بدء الفجور وثُنَاه<(صحيح مسلم).
فالابتداء بالفجور من أخلاق المشركين وليس من أخلاق المسلمين، وإذا أبيح للمسلم الردّ على الفجور بمثله، فليس ذلك لمجرّد الرغبة في الانتقام، وإنما هي محاولة لمنع تكرار الفجور، ولإزالته من ميدان العلاقات الإنسانية، وقد أرشدنا القرآن إلى وسيلة أمثل لمنع تكرار الفجور، وبيّن لنا أنّ العفو والصفح هو الذي يدرأ السيئة أي يمنع تكرارها: {..اِدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌّ حميم..}(فصّلت:34)، {اِدفعبالتي هي أحسن السيئة}(المؤمنون:96) ووصف المسلمين بأنهم: {يدرأون بالحسنة السيئة}(الرعد: 22) و(القصص: 54).
بناءً على ذلك نقول: إنه لا يجوز خطف أي إنسان في غير حالة الحرب الفعلية، وهو عندئذ يكون أسير حرب لا يجوز قتله بل مصيره إلى إطلاق سراحه قطعاً: {فإما منّاً بعد وإما فداءً}(محمد:4). ومن باب أولى لا يجوز خطف أشخاص إذا كانوا معارضِينَ لمحاربتنا ومتعاطفين معنا كالصحفيين الفرنسيين. ونستنكر جميع أحداث الاختطاف التي تشمل أناساً لا علاقة لهم بالمحتلين، ونطالب بإطلاق سراحهم فوراً.
ثالثاً: في حالة قيام حرب فعلية، لا يجوز اختطاف الأبرياء أو المدنيين من الأعداء الذين لا يجوز توجيه الأعمال الحربية ضدّهم.
المدنيون في نظر الإسلام هم، غير المقاتلين من النساء وا لأطفال والشيوخ والعاجزين الذين لا رأي لهم في القتال وكذلك الرهبان. وقد نهى رسول الله عن قتل النساء والصبيان(متّفق عليه)، وقال: >لا تقتل وليداً<(ره أبو داود) وأمر خالد بن الوليد فقال له: >لا تقتلنّ ذرية ولا عسيفاً<(صحيح سنن ابن ماجه). العسيف هو الأجير. وهو يشمل كلّ من يستأجر لأداء خدمات لا تتّصل بالقتال كالعمّال في المصانع، والأطباء العاملين في المستشفيات، وأمثالهم. كما نهى النبي عن قتل الشيخ الفاني(سنن أبي داود) وعن قتل الرهبان وأصحاب الصمع الذين يحبسون أنفسهم لله (المدونة لمالك) و(جامع الأصول) و(مصنّف ابن أبي شيبة). وثبت منع قتل الرهبان عن أبي بكر، وذكر جابر ابن عبد الله في مصنّف ابن أبي شيبة أنهم …كانوا لا يقتلون تجّار المشركين. وقد قاس جمهور الفقهاء من الأحناف والمالكية لحنابلة على هذه النصوص أنواعاً أخرى من غير المقاتلين كالمقعد والأعمى والمعتوه وقوم في دار أو كنيسة ترهب وطبق عليهم الباب (بدائع الصنائع للكاساني) (المغني لابن قدامة) والأُجَرَاءِ ولحراثين وأربابالصنائع (حاشية الدسوقي على الشرح الكبير). ووضع الإمام الشوكاني ضابطاً واضحاً للقياس على النصوص في هذه المسألة وهو عدم جواز قتل من لا يرجى نفعه للعدو، ولا ضرره على المسلمين (نيل الأوطار للشوكاني).
بناءً على ذلك نعلن استنكارنا لاحتجاز الأطفال في مدرسة أوسيتيا، وتعريضهم لتلك المجزرة البشعة رغم اعتقادنا بعدالة القضية الشيشانية، وحقّ الشعب الشيشاني في تقرير مصيره. كما نعلن استنكارنا لاختطاف امرأتين إيطاليتين تعملان لحساب منظمة إنسانية رغم إدانتنا لموقف الحكومة الإيطالية المتحالف مع القوات الأمريكية المعتدية. فكلّ ذلك وأمثاله لا يجوز أصلاً من الناحية الشرعية، فضلاً عن أنّه ليس من مصلحة المقاومة. ويجب أن نتذكّر أنّ خيانة يهود بني قريظة يوم الأحزاب لعهدهم مع المسلمين، على الرغم من كلّ ما فيها من فظاعة، لم تدفع المسلمين إلى قتل الأطفال أو النساء أو تعريضهم لأي أذى.
رابعاً: إذا تم الخطف، في أثناء القتال الفعلي، فقد أصبح المخطوفون أسرى، ويجب أن يعاملوا ضمن حدود الأحكام الشرعية المتعلّقة بالأسرى، ونحن نلخّصها فيما يلي:
أ- يجب تسليم الأسير إلى وليّ الأمر ليقضي فيه ما يرى، وليس لآسره يدٌ عليه، وليس له حقّ في التصرّف فيه.
ب- من الواجبات الشرعية، الرفق بالأسرى، والإحسان إليهم، وإكرامهم، وتوفير الطعام والكساء لهم، وعدم تعذيبهم. قال تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً}(الإنسان:8)، وقال : >استوصوا بالأسارى خيرا<(ره الطبراني وإسناده حسن). وروي عن النبي قوله: >أحسنوا إلى أسراكم وقيِّلوهم وسقوهم<(إمتاع الأسماع للمقريزي)؛ وقوله >لا تجمع عليهم حرّ هذا اليوم وحرّ السلاح<(فتح الباري). وقد أمر رسول الله أصحابه يوم بدر أن يكرموا الأسارى …فكانوا يقدّمونهم على انفسهم عند الغذاء(تفسير ابن كثير).
ج- مصير الأسرى في الإسلام إطلاق سراحهم، إما منّاً عليهم دون مقابل، أو بمقابل فدية يقدمونها للمسلمين. لفدية قد تكون مالاً، وقد تكون مبادلة مع أسرى المسلمين، وقد تكون خدمة يقدمونها للمسلمين، كما طلب رسول الله من بعض أسرى بدر تعليم جماعة من المسلمين الكتابة مقابل إطلاق سراحهم (…زاد المعاد لابن قيم الجوزية). لقول الله تعالى: {.. فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب، حتى إذا أثخنتموهم فشدّ الوثاق، فإما منّا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها..}(محمّد:4) وقد عمل رسول الله بهذه الآية إلى أن قبضه الله إليه.
وكثير من العلماء يقولون بعدم جواز قتل الأسير أصلاً. قال ابن رشد في بداية المجتهد: (…وقال قوم: لا يجوز قتل الأسير. وحكى الحسن بن محمّد التميمي أنه إجماع الصحابة). وقال ابن كثير في تفسيره: …وقال بعضهم: إنما الإمام مخيّر بين المنّ على الأسير أو مفاداته فقط، ولا يجوز قتله. وقال الآلوسي: …وظاهر الآية: امتناع القتل بعد الأسر وبه قال الحسن.
بناءً على ذلك نقول:
إنّ الأسير لا يقتل إلاّ استثناءً، وبقرار من وليِّ الأمر بناءً على حكم قضائي. وأنّ مجموعات المجاهدين العاملة في نطاق المقاومة ضدّ الاحتلال في العراق أو في غيره، لا تتمتّع بصلاحيات وليِّ الأمر، فضلاً عما يترتّب على قتل الأسرى من ضرر كبير يلحق المقاومة نفسها، ويشوّه قضية الشعب العراقي المجاهد. ولذلك فإننا نعلن استنكارنا لقتل النيباليين وغيرهم من الرهائن الذين لم يقوموا بأعمال قتالية أصلاً، ولو صحّ أنهم قدّموا خدمات للقوات المحتلّة فهي لا تبرر قتلهم شرعاً.
خامساً: لا يجوز احتجاز المدنيين من الأعداء كرهائن وتهديدهم بالقتل، بسبب عمل يرتكبه أو يمتنع عنه غيرهم، وليسوا مسؤولين عنه، ولا يمكنهم منعه؛ كما حدث عند احتجاز الأطفال في مدرسة بيسلان في أوسيتيا الشمالية. وذلك لسببين اثنين:
الأول: أنّ من أهمّ قواعد العدل بين الناس أن لا يسأل أحد عن عمل غيره، وأن لا يحاسب على جريمة اقترفها غيره. هذه القاعدة الشرعية أكّدها القرآن الكريم في كثير من آياته. قال تعالى: {ولا تكسب كلّ نفس إلاّ عليها}(الأنعام:165)، {ولا تزر وازرة وزر أخرى}(الإسراء 15)، {من عمل صالحاً فلنفسه، ومن أساء فعليها}(فصلت46)، {..من يعمل سوءاً يجز به..}(النساء123).
وقد أكّد رسول الله هذه القاعدة في كثير من أحاديثه منها قوله: >لا يجني جان إلاّ على نفسه<(ره ابن ماجه)، وقوله: >لا تجني نفس على أخرى<(ره النسائي بن ماجه). وقد صرّحت بعض الأحاديث بمنع قتل المعاهدين من غير المسلمين كقوله : >من قتل نفساً معاهدة بغير حلّها حرَّم الله عليه الجنّة أن يشمّ ريحها<(ره النسائي).
الثاني: أنه حتى في حالة الحرب الفعلية، قد يتعرّض المدنيون للقتل بسبب الأعمال الحربية، كما لو وقعت غارة على معسكر العدو فأصابت من هو قريب منه. وقد أجاز الفقهاء ذلك حين يقع من غير قصد، أما تَقَصُّد قتل المدنيين الذين منع الإسلام قتلهم فهذا لا يجوز فإذا كان تَقَصُّد المدنيين من الأعداء بالقتل غير جائز في أثناء المعركة، فكيف يجوز قتلهم بدم بارد وهم أسرى؟
وليس من أخلاق المسلمين أن يُتدنَّّى إلى فعل ما تفعله قوات الاحتلال من سلوك غير متحضّر، يتمثل في قتل عشرات الآلاف من المدنيين العراقيين من النساء والأطفال والشيوخ بحجّة ضرب المقاومة.
يجب على المسلمين كافة الالتزام بالأحكام الشرعية التي لخصناها فيما سلف بيانه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.”
والله يتولَّى الجميع بحفظه ورعايته وتسديده، والله وليُّ المؤمنين.
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
شعبان 1425 هـ – سبتمبر 2004 م