دامت مدة عصر النهضة العلمية عند العرب والمسلمين زهاء 350 سنة متواصلة، بعدها جاء غزو المغول في شخص جنكيز خان توقفت على إثره المسيرة العلمية لمدة ستين سنة جاء من بعده حفيده هولاكو الذي أراد أن يعيد ترميم ما حطمه جده فأمر ببناء مرصد في مراغة تحت إشراف العالم الفلكي نصر الدين الطوسي (1201-1274م)، الذي له عدة مؤلفات في الطب والفلسفة وعلم الهيئة. وقطب الدين الشيرازي (1236-1331م) الذي كان أول من فسر ظاهرة قوس قزح وكان يعمل مع تلميذه كمال الدين فتوصلا إلى أن سرعة الضوء تتناسب عكساً مع كثافة الوسط الضوئي وليس مع كثافته المادية وأعلن أن العدسات القطعية تصحح الزيغ الكروي.
بعد هذين العالمين بدأت النهضة العلمية تعبر البحر الأبيض المتوسط متجهة إلى الدول الـغربية فظـهرت أول شرارة علمية في شخص تيخو براهي “Tycho Brahé” (1564-1601م) الذي أحدث ثورة في دقة القياسات الفلكية التي كان من نتائجها أن دفعت جوهانز كبلر”Johannes Kepler” (1630-1651م) إلى اكتشاف قوانين مسار الكواكب حول الشمس وذلك سنة 1609م، وفي نفس السنة استعمل الفلكي الإيطالي غاليلو “Galilier” (1564-1642م) منظاره لرصد الكواكب، وبعـدها جـاءت نـظرية “نيوتن” “Isaac Newton” (1642- 1727م) في الجاذبية الكونية والنظرية هي “تتجاذب الأجسام فيما بينها بصورة تتناسب طرداً مع الكتلة وعكسا مع المسافة” كما درس نيوتن علم البصريات فوجد أن الضوء يمكن تقسيمه إلى سبعة ألوان (قوس قزح) وقد نشر أبحاثه عام1687م، في كتاب أسماه الأصول “Principa”، وهكذا توالت الاكتشافات والاختراعات لدى الغربيين وأخذوا من العرب المسلمين مشعل النهضة. وتبقى بعض الشهادات التي تثبت أن الفضل في هذه الحضارة الغربية يعود للمسلمين بالدرجة الأولى، يقول العالم برجوا:” إن ما نطلق عليه اسم العلم قد برز نتيجة لاتباع طرق جديدة في التجارب العلمية وفي أساليب الاستقراء وفي عملية القياس. كل هذا أدخله العرب إلى أوروبا…إن العلم الحديث هو أهم إنجاز للحضارة الإسلامية”.
ويقول جورج سارتون 1931م، في كتابه “مدخل إلى تاريخ العلم” : (إن الفضل في تطوير الطريقة التجريبية في العلم يعود إلى المسلمين بالدرجة الأولى).
وتأتي سنة 1978 حيث اكتشف العالم الباكستاني المسلم محمد عبد السلام نظرية توحيد القوى الكهرومغناطيسية والقوى النووية الضعيفة، فحصل على جائزة نوبل سنة 1979، وبهذا الاكتشاف كسر عبد السلام جدار الجمود العلمي الذي عرفه العالم الإسلامي فأخرجنا من هذا السبات العلمي إلى عالم العلم والمعرفة، لقد توجه عبد السلام إلى كافة علماء العرب والمسلمين بنداء يحثهم فيه على مواصلة هذا البحث الذي بدأه في الندوة التي عقدتها جامعة الأمم المتحدة حول الإبداع الفكري في الأقطار العربية والإسلامية سنة 1980م.
وعبد السلام من مواليد سنة 1926م بباكستان وهو عالم الأمة الإسلامية والبلاد النامية، أنشأ المركز العالمي العلمي للفيزياء النظرية في إيطاليا فنال احترام وإعجاب علماء البلدان النامية والمتقدمة على السواء، وهو يعد من أعظم وأشهر علماء المسلمين والغربيين في هذا العصر وهو ركن من أركان النهضة العلمية الحديثة حيث أضاف إلى التراث العلمي الإنساني أبحاثا علمية اعترفت بأهميتها جميع المحافل العلمية في العالم ومنحته الأكاديمية السويدية جائزة نوبل تقديرا منها للأعمال القيمة التي أنجزها عبد السلام. كما أن له دكتوراه فخرية من جميع جامعات الدنيا وله 18 جائزة وميدالية تقديرية من جامعات وأكاديميات ومعاهد المعمور، وشغل عدة مناصب تربوية وإدارية داخل الأمم المتحدة وأهمها منصب رئيس لجنة الأمم المتحدة الاستشارية للعلم والتكنولوجيا سنة 1971م، أما فيما يخص أبحاثه العلمية فله حوالي 250 منشوراً علمياً في مادة فيزياء الجسيمات الأولية.
كما أن له عدة كتب ومؤلفات، ولا ننسى أنه عضو في عدة أكاديميات عالمية بما فيها أكاديمية المملكة المغربية، وفي الأخير نود أن نستعرض في هذا المقال مقتطفاً من إحدى كتبه تعبيرا عن تشبثه بالتعاليم الدينية إضافة إلى ملكاته العلمية التي تكاملت في رجل واحد، يقول محمد عبد السلام:
“إنني أرغب في أن أقرأ عليكم بعض آيات من القرآن الكريم، هذا الكتاب الذي يقول عنه مرمديوك “إن مجرد سماعه كاف لأن يبكي الناس لأنه يبعث في النفوس نشوة سامية” هذه الآيات، تعبر أكثر من أي شيء آخر عن ذلك الانبهار الأزلي الذي انطوت عليه تجربتي في العلم” {ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفذت كلمات اللـــه، إن الله عزيز حكيم}(لقمان : 27)”.قال هذه الكلمات في كتابه البعد العلمي للتنمية 1986م.
د.محمد حمدون