-عبادته نموذجا-
ذ. محمد بوهو
واقع نبوي أكبر من أي تصور نظري
شهدت البشرية في تاريخها الطويل انفصالا بين المثل والواقع، وبين المقال والفِعال، بين الدعوى والحقيقة، وكان دائما المثال والمقال والدعوى، أكبر من الواقع والفعال والحقيقة، وهذا شيء يعرفه من له أدنى معرفة بالتاريخ والحياة، غير أن هذه الظاهرة تكاد تكون مفقودة في واقع اتباع الرسل المخلصين وعلى عكسها تماما في حياة الرسل، إذ دائما في حياة الرسل تجد أن واقعهم أعظم من كل تصور نظري، فهم وحدهم الذين دعوا الإنسانية إلى أعظم قمم السمو، ومثلوا هم بسلوكهم العملي هذه الذروة بشكل رائع مدهش عجيب، وهذا بحد ذاته من أدلة صدقهم، إذ الالتزام بالسمو لا تطيقه النفس البشرية عادة ما لم تتهذب هذه النفس بدافع الخضوع لأمر الله تعالى بعد الإيمان به، ومعرفة أمره، ويستطيع الإنسان أن يعرف هذا بالتجربة، إذا شاهد أحوال الكافرين، فمثلا قد يحاول كافر أن يقلد مسلما في صلاته متظاهرا بالإيمان فإذا راقبت مثل هذا وجدته عمليا لا يبقى على حالة واحدة بالتطبيق، كما أن تطبيقه يكون بسيطا جدا، ولو لم يكن في وضع يراه الناس فإنه لا يفعل شيئا أصلا، فعندما ترى في المقابل الرسل بعبادتهم العجيبة الكثيرة لله، مع قيامهم بأمر الله كما كلفهم على ما به من مشقة أو جهد، دون تكلف بل بكامل الرضا والسعادة، فذلك لا شك دليل صدق لا يدحض..
هذه وقفة مع أعظم رجل في التاريخ، مع إمام المرسَلين، مع مّن أرسله الله رحمة للعالمين، مع مّن عبد ربه حتى أتاه اليقين، مع محمد بن عبد الله .. كيف كان عليه الصلاة والسلام يقوم بكل أمر بما لا يسبق إليه، مع إحاطته وعدم تفريطه بأي جانب من جوانب الإسلام الذي كلف به، وأمر أن يدعو إليه، حتى إن الدارس المنصف لحياته في هذا الجانب لا يتمالك إلا أن يشهد أنه رسول الله حقا..يقول الجلندي ملك عُمان لما بلغه أن رسول الله يدعوه إلى الإسلام: >والله لقد دلني على هذا النبي الأمي أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به ولا ينهى عن شر إلا كان أول تارك له وإنه يغلب فلا يبطر ويغلب فلا يضجر ويفي بالعهد وينجز الموعود وأشهد أنه نبي<..
لن نتحدّث عن رسول الله في بيته ولا في حربه أو سلمه، و لن نتحدّث عن رسول الله لا في مسجده ولا مع أصحابه ولا مع زوجاته ولا مع بناته، بل سنتحدّث عن رسول الله مع ربّه، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ إسْوَةٌ حَسَنَةٌ}(الأحزاب:21)..سنرى نماذج من تنفيذه لأمر ربه تعالى {بل الله فاعبد وكن من الشاكرين}..
إن التعرفَ على الله تعالى من أعلى المنازل وأرفعها، ولن تصلح القلوب إلا بمعرفة الله تعالى..قال الحسن لرجل: >داو قلبك فإنّ حاجة الله إلى العباد صلاح قلوبهم< يعني أن مراده منهم ومطلوبه صلاحقلوبهم، فلا صلاح للقلوب حتى يستقرّ فيها معرفة الله تعالى وعظمته ومحبته وخشيته ومهابته ورجاؤه والتوكل عليه ويمتلئ من ذلك، وهذا هو حقيقة التوحيد وهو معنى قول: لا إله إلا الله، فلا صلاح للقلوب حتى يكون إلَهُها الذي تؤلهه وتعرفه وتحبه وتخشاه هو إله واحد لا شريك له، ولو كان في السماوات والأرض إله يؤلَه سوى الله تعالى لفسدت بذلك السماوات والأرض كما قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا}(الأنبياء:22)، فعلم بذلك أنه لا صلاح للعالم العلوي والسفلي معا حتى تكون حركات أهلها كلّها لله عز وجل، وحركات الجسد تابعة لحركات القلب وإرادته، فإن كانت حركته وإرادته لله وحده فقد صلح وصلحت حركات الجسد كله، وإن كانت حركة القلب وإراداته لغير الله فسد وفسدت حركات الجسد بحسب فساد حركة القلب” اهـ (جامع العلوم والحكم)…
إن معرفة الله بأسمائه وصفاته من أجلّ العلوم، فهذا العلم ـ وهو العلم المتعلق بالله تعالى ـ أشرفُ العلوم وأجلُّها على الإطلاق، فالاشتغال بفهمه والبحث التام عنه اشتغالٌ بأعلى المطالب، وحصوله للعبد من أشرف المواهب، فمعرفة الله تعالى تدعو إلى محبته وخشيته والخوف منه ورجائه وإخلاص العمل له، وهذا عين سعادة العبد.
إن أعظم الناس معرفة بالله تعالى هم رسل الله، ومن هنا فهم أكملُ الناس عبادةً وطاعةً لله رب العالمين.. يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}(الذاريات:56- 58) : “هذه الغاية التي خلق الله الجن والإنس لها وبعث جميع الرسل يدعون إليها، وهي عبادته المتضمنة لمعرفته ومحبته والإنابة إليه والإقبال عليه والإعراض عما سواه، وذلك متوقف على معرفة الله تعالى، فإن تمامَ العبادة متوقّّفٌُ على المعرفة بالله تعالى، بل كلما ازداد العبدُ معرفة بربه كانت عبادته أكمل”..
الرسول عليه الصلاة والسلام هو أعظم الناس، وإذا سمعت عن عظيم فاعلم أنك إذا رأيته كان أقل مما سمعت، إلا الرسول عليه الصلاة والسلام، إنه أعظم وأعظم مما تسمع عنه..
النبي العبد العابد
كيف عاش عبداً، ما هي عبادته لله تعالى، كيف كانت صلاته، كيف كان يصوم، ما هو ذكره لله تبارك وتعالى؟..الله عز وجل يمدحه في القرآن بالعبودية في أشرف أحواله ، فيقول عنه : {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى}(الإسراء:1) ويقول عنه : :{وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبداً}(الجن:19).. ويقول أيضاً: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً}(الفرقان:1).
كان محمد أعبد الناس لله تعالى، وأشدهم له خشية.. يقول الله تعالى له: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}(الحجر:99) يعني الموت، لا كما قال المنحرفون : “اعبد ربك حتى تتيقن بوحدانيته ثم اترك العبادة”.. وقد كذبوا على الله تعالى، إنما المعنى: اعبد ربك في الشتاء والصيف، في الحل والترحال، في الصحة والسقم، في الغنى والفقر حتى يأتيك الموت.. {يا أيها المزمل، قم الليل إلا قليلاً، نصفه أو انقص منه قليلاً، أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً، إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً}(المزمل:1- 5).
يا أيها المزمل قم لإصلاح الإنسان، يا أيها المدثر في لحافه: قم لهداية البشرية، يا أيها المزمل في فراشه: قم لهداية الإنسانية، فقام عليه الصلاة والسلام، ثلاثاً وعشرين سنة، ما نام ولا استراح، أعطى الإسلام دمه ودموعه، أعطى الدعوة ماله وكيانه، أعطى الإسلام ليله ونهاره، فما نام ولا فتر ولا هدأ حتى أقام لا إله إلا الله.
يأتيه الحزن والهموالغم، فيقول: >أرحنا بها يا بلال<، أي بالصلاة. تأتيه المصائب والكوارث فيقول: >أرحنا بها يا بلال< تأتيه الفواجع والزلازل فيقول:>أرحنا بها يا بلال< يموت أبناؤه وأحبابه وأصحابه، ويقتل جنوده، ويهزم جيشه، فيقول:>أرحنا بها يا بلال<..
يقول (صلى الله عليه وسلم):>وجعلت قرة عيني في الصلاة<، ما كان يرتاح إلا إذا قام يصلي، إذا قال: الله أكبر، كبر بصوت تكاد تنخلع لصوته القلوب، فيضع يده على صدره فيكون الله أعظم من كل شيء لأنه الكبير – سبحانه وتعالى- فيقف متواضعاً متبتلاً متخشعاً متذللاً أمام الواحد الأحد.
يقول عبد الله بن الشخير: (دخلت على رسول الله فوجدته يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء)، والمرجل: القدر إذا استجمع غلياناً.
ويقول حذيفة: “قام عليه الصلاة والسلام يصلي صلاة الليل بعد صلاة العشاء، قال: فدخلت معه في الصلاة فافتتح سورة البقرة، فقلت يسجد عند المائة، فختمها، فافتتح سورة النساء فاختتمها، فافتتح سورة آل عمران ثم اختتمها، لا يمرّ بآية رحمة إلا سأل الله تعالى، ولا بآية عذاب إلا استعاذ بالله ولا بتسبيح إلا سبح، قال: ثم ركع، فكان ركوعه قريباً من قيامه، ثم قام فكان قيامه قريباً من ركوعه، ثم سجد فكان سجوده قريباً من قيامه وركوعه، ثم صلى الركعة الثانية قريباً من الأولى”.. ما يقارب الست ساعات أو السبع ساعات مع الفقر والجوع، ومع الجهاد في النهار، ومع الزهد، ومع الدعوة إلى الله، ومع تربية الأطفال، ومع شئون البيت، ست أو سبع ساعات وهو يتبتل إلى الله، تفطرت قدماه، وتشققت رجلاه فتقول له زوجته عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله كيف تفعل هذا بنفسك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: >أفلا أكون عبداً شكوراً؟<.
يقول عبد الله بن مسعود: صليت مع رسول الله ، فأطال حتى هممت بأمر سوء. قيل: وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه..
الرسول عليه الصلاة والسلام قام ليلة من الليالي فقال: بسم الله الرحمن الرحيم ثم بكى، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم ثم بكى، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم ثم بكى، ثم قال: ويلٌ لمن لم تدركه رحمة الله، ويلٌ لمن لم تدركه رحمة الله، ويلٌ لمن لم تدركه رحمة الله.
يسجد عليه الصلاة والسلام السجدة الواحدة مقدار ما يقرأ الواحد منا خمسين آية، ويركع الركعة الواحدة مقدار ما يقرأ القارئ منا خمسين آية، هذا في صلاة الليل، يدعو ويبكي إلى الصباح، حتى تسقط بردته من على كتفيه، كما في ليلة بدر، يناجي ربه، ويقرأ كتابه، ويتبتل إلى الله؛ لأن العبادة أقرب باب إلى الله تعالى..
ونحن أيها المسلمون: في سعد ورغد، في عيش رضي، في أمن وصحة، الموائد الشهية، المنازل البهية، المراكب الوطية، ومع ذلك نترك صلاة الجماعة إلا من رحم الله، أيُّ أمة نحن، أي قلوب نحملها، إذا لم نقم بالصلوات الخمس، كما أرادها الله عز وجل.
قال بلال كما روى ابن جرير وابن مردويه: مررت على رسول الله قبل صلاة الفجر، فسمعته يبكي فقلت: مالك يا رسول الله؟ قال: أنزلت علي هذه الليلة آيات، ويلٌ لمن قرأها ولم يتدبرها قلت : ما هي يا رسول الله؟ فأخذ يقرأها ويبكي: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب، الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار}(آل عمران:190- 191).
كيف ترقى رقيك الأولياء
ا سماء ما طاولتها سماءُ
إنما مثلوا صفاتك للناس
كمـا مثل النجوم المـاءُ
حن جذع إليك وهو جماد
فعجيب أن يجمد الأحيـاءُ
كان عليه الصلاة والسلام يصوم، فيواصل الليل بالنهار، ثلاثة أيام وأربعة أيام، لا يأكل شيئاً فأراد الصحابة أن يواصلوا كما يواصل فقال : >لا إنكم لستم كهيئتي، إني أبيت يطعمنيربي ويسقيني<، لا يطعمه طعاماً، ولا يسقيه شراباً، إنما حكماً ومعارفاً، وفتوحاتٍ ربانية وإلهامات إلهية..
لها أحاديث من ذكراك تشغلها
عن الطعام وتُلهيها عن الزاد
لها بوجهك نور تستضيء به
ومن حديثك في أعقابها حاد
يصوم في السفر وقد التهب الجو، قال أبو الدرداء كنا في شدة الحر حتى والله الذي لا إله إلا هو، إن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة حرارة الشمس، وما فينا صائم إلا رسول الله وابن رواحة.
يجلس مع الصحابة، فيقول لابن مسعود:>اقرأ علي القرآن<، فيندفع يقرأ عليه حتى بلغ قوله تعالى: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً}(النساء:41). قال: >حسبك<، قال ابن مسعود، فنظرت فإذا عيناه تذرفان..يبكي (صلى الله عليه وسلم) تواضعاً لله تبارك وتعالى، وشفقة على هذه الأمة.
قالت عائشة رضي الله عنها : استفقت ليلة من الليالي فبحثت عن الرسول، عليه الصلاة والسلام، فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد، وهما منصوبتان وهو يقول: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.
وهنا نسأل أنفسنا ونحن نقرأ آثار هذه الهمة العالية والنفس الشامخة..متى يقدّم الإنسان للقبر ما لم يقدم هذه الليالي؟ متى يصلي إذا لم يصل هذه الأيام؟ متى يذكر الله إذا لم يذكر الله في هذه الأوقات؟.. إذا دفن الإنسان فلن يصلي عنه أحد، ولن يصوم عنه أحد، ولن يذكر عنه أحد..فالعمل ينقطع..
أتيت القبـور فنـاديتهـا
أيـن المعظـم والمحتقـر
تفانوا جميعاً فما مخبـر
وماتوا جميعاً ومات الخبر
تسير وتغدو بنات الثرى
فتمحو محاسن تلك الصور
رسول الله هو أعبد الخلق لله تعالى، وأشدهم له خشية، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومع ذلك أجهد نفسه في العبادة، في صلاة الليل، في الذكر، في تلاوة القرآن، في التسبيح والتهليل.
هذه نماذج من عبادته عليه الصلاة والسلام لله شكرا، وهذا كله ولم نذكر إقامته للصلوات الخمس ولا لرواتبها، ولم نتعرض لكل ما أثر عنه من عبادة لله جل جلاله، فهل بلغ أحد في عبادة الله وشكره ما بلغه رسول الله؟ وهل يستطيع أحد أن يتصور أن هذا ممكن الوقوع والحصول بهذا الكمال والجلال، وبهذه الكثرة والسعة وبهذا الانسجام والتوافق مع هذه المعرفة العظيمة لله وكمالاته.. لولا أن محمدا رسول الله يقوم بأمره كأعظم ما يقوم به أحد..
صحابة وتابعون على الطريق النبوي
نقل عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم؛ أن المارّ إذا مر بهم في السّحر سمع لبيوتهم دوياً كدوي النحل، من البكاء وقراءة القرآن والدعاء، هذا في مدينة رسول الله ، دعاءٌ وبكاءٌ ومناجاةٌ وقت السحر.. روى بن أبي حاتم أنه كان يمر في ظلام الليل يتفقد أصحابه، كيف كانوا يصلون، كيف كانوا يدعون، كيف كانوا يبكون، فسمععجوزاً تقرأ من وراء الباب وتبكي. عجوز مسنة، تقرأ قوله تعالى: {هل أتاك حديث الغاشية}(الغاشية :1). وتبكي، وتعيد الآية وتبكي، فوضع رأسه على الباب وبكى ، وردد الآية ثم قال: >نعم أتاني، نعم أتاني<. هذه عجوز ضعيفة، فأين شباب الأمة، أين أهل القوى والعضلات، أين أهل البروز والإجادة.
إن القوي هو القوي في طاعة الله، وإن المفلح هو السائر في طريق الله، وإن المتقدم هو المتقدم إلى مرضاة الله، إذا علم هذا فإنه في جانب الذكر كان أكثر الناس ذكراً لله تبارك وتعالى، نفسه ذكر لله، وفتواه ذكر لله، وخطبه ذكر، وكلامه وليله ونهاره وحركاته وسكناته ذكرٌ لله تبارك وتعالى.
قال ابن عباس ] كان النبي إذا قام من الليل يتهجد، قال : >اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد، لك ملك السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد، أنت ملكالسماوات والأرض ولك الحمد، أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك الحق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمدٌ حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت<..
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله إذا قام من الليل افتتح صلاته: >اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم<..
هل سمعتم بعد كلام الله أحسن من هذا الكلام، ما أجمل وقت السحر، يوم تناجي الله تعالى، يوم ينزل إلى سماء الدنيا فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من داع فأجيبه؟
يقول محمد إقبال شاعر الإسلام:
يا رب لا تحرمني أنّة السحر
يا رب اجعلني من البكائين الخاشعين لك في السحر
يا رب إذا حرمتني جلسة السحر فإن قلبي يقسو ولن يلينه شيء.
هذا هو الرسول عليه الصلاة والسلام في عبادته، في صلاته وصيامه، في قراءته وذكره، وهو أسوتكم وقائدكم إلى الجنة، ونجاتكم مرهونة باتباعه، وعقدكم وسيركم إذا لم يكن على سنته، فهو الهلاك والدمار، وهو العار والخسار، في الدنيا والآخرة: {لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنة}(الأحزاب:21).
فيا من أراد الجنة، يا من أراد النجاة، يا من أراد الفلاح، يا من أراد الخير والعدل والسلام، والله ليس لك قدوة، لا زعيم ولا رائد، ولا مصلحٌ، ولا إمامٌ، ولا عابدٌ، ولا منقذٌ، ولا معلم، إلا رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.