ما أجمل أن يحيا المسلم والأمل يحدوه في غد مشرق للأمة تنهض فيه من كبوتها، وتستفيق من إغفائها وتستعيد مكانتها وموقعها الذي اصطفاه الله عز وجل لها واصطفاها له، متى حققت الشروط، وأخذت بالأسباب، غير آبهة بمكائد الأعداء في الداخل والخارج، ذلك أن التدافع سنة ربانية لا يخلو منه عصر ولا مصر.
ولئن كان الواقع الذي تحياه الأمة اليوم، يشعر المسلم الغيور على دينه بالمرارة والأسى على ما آلت إليه الأحوال من تنكر كثير من المسلمين لدينهم، وانبهارهم بالغرب وحضارته وقيمه، ومن تدني أخلاقي، وبؤس اجتماعي، وفشل سياسي، وضعف في التدبير، فإن كل هذا لا يزيد المسلم إلا ثقة وأملا في موعود الله تعالى لعباده الصالحين بالتمكين والاستخلاف قال عز وجل : {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا، يعبدونني لا يشركون بي شيئا}(النور : 55) فمهما اشتدت الخطوب، وتوالت النكبات فإن الغد مشرق بحول الله تعالى، وقد مرت هذه الأمة بفترات من الذل والهوان والانحطاط، ولكنها استطاعت أن تقوم من كبوتها، وتأخذ مشعل الحضارة لتملأ الكون رحمة وأمنا وعلما. فكفانا يأسا وقنوطا فـ{إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون}(üü) وقد علمنا حبيبنا أن نعيش بالأمل، فها هو وهو مطارد فار من بطش قريش وجبروتها، يريد المدينة المنورة، يدركه سراقة بن مالك يبتغي نيل الجائزة، والظفر بالغنيمة، فيحفظ الله عز وجل نبيه ، ولكنه عليه الصلاة والسلام يأبى إلا أن يعطي سراقة ] جرعة أمل فبشره بسواري كسرى؛ وفي غزوة الخندق، وقد ألبت قريش قبائل العرب واليهود واتجهوا نحو المدينة، واشتد الكرب وعظم الخطب على المسلمين حتى قال بعض المنافقين : يعدنا محمد بالظهور على فارس والروم، ولا يأمن أحدنا على نفسه أن يذهب إلى الخلاء. في هذه الظروف المظلمة يصر النبي على أن يزرع الأمل في قلوب أصحابه، فيخرج إلى الصخرة التي اعترضتهم أثناء حفر الخندق ويضربها، ومع كل ضربة بارقة أمل في النصر والتمكين.
والقرآن الكريم يعلمنا أنه من رحم المعاناة يولد النصر قال تعالى : {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا}(يوسف : 110)، والفجر لا يبزغ إلا بعد شدة سواد الليل وقديما قال الشاعر :
ولرب نازلة يضيق بها الفتى
وعند الله منها المخرج
ضاقت فلمّا استحكمت حلقاتها
فرجت وكان يظنها لا تفرج
فلنبذر الأمل، ونسقيه بماء العمل، ونتعاهدة بسماد الصبر، فإذا هو قد اشتد عوده وأينعت أوراقه، فيؤتي أكله بإذن ربه.
منير المغراوي
أستاذ السلك الأول وخطيب مسجد الفتح بتاهلة.