الدول والحضارات والمجتمعات لا تنتقض دعائمها وتنهار قواعدها وتتخرب كياناتها من الخارج إذا ما كانت قوية من داخلها متماسكة الذات ملتحمة العناصر متراصة الصفوف يسودها التعاون ويُحكمها التآلف يوحدها حبُّ المصلحة العليا ويرجَحُ فيها بذلُ الواجب على التمتع بالحقوق، وعلى قدر اختفاء ظاهرة حب النفس وايثار الهوى والانصياع لدواعي الغضب تكون حالة الأمة وحظوظها في البقاء والارتقاء أو الانهيار والفناء طردا وعكساً..
ومن أهم خصائص الأمة القوية والحضارات المستمرة الصبر، والصبر خصيصة إنسانية كما يقول الإمام الغزالي. والصبر نصف الإيمان ولا صبر إلا بالايمان والعقل، فمن لا عقل له من أين يأتيه الصبر كالبهيمة والطفل الذي همه في الغذاء ثم في اللعب واللهو.
إن باعث الدين هو أساس الصبر وباعث الهوى هو السالب للصبر، يقول ابن القيم : “فالانسان إذا غلبصبُره باعثَ الهوى والشهوة التحق بالملائكة وإن غلب باعثُ الهوى والشهوة صبرَه التحق بالشياطين، وإن غلب باعثُ طبعه من الأكل والشرب والجماع صبرَه التحق بالبهائم”، ويقول الامام الغزالي : “بأن القتال بين باعث الدين وباعث الهوى والحرب بينهما سجال، ومعركة هذا القتال قلبُ العبد، وجنود باعث الدين من الملائكة النّاصرين لحزب الله تعالى، وجنود باعث الهوى من الشياطين الناصرين لأعداء الله تعالى فالصبر هو ثباتُ باعثِ الدين في مقابلة باعث الهوى فإن ثبت حتى قَهَره واستمر على مخالفة الشهوة فقد نصر حزب الله والتحق بالصابرين وإن تخاذل وضعف حتى غلبته الشهوة ودواعي الهوى ولم يصبر في دفعها التحق بأتباع الشياطين”.
إن ما نشاهده من فتن داخلية بين الذين ينتسبون إلى الدين وما وقع من فتن وانشقاقات داخل بعض الحركات الاسلامية أهم أسبابه عدم الصبر، والاحتكام إلى الهوى والجهل.
ومن خذل عقله وخالف باعث الدين فإنه يصبح من جند الشياطين يقول ابن القيم رحمه الله : “فعقله مع الشيطان كالأسير في يد الكافر يستعمله في رعاية الخنازير، وعصر الخمر، وحمل الصليب..”.
وكذلك أولئك الذين يسفكون دماء المسلمين ويثيرون الفتن بينهم ويسعون في تقويض بنيانهم من الداخل ويسهمون في تأريث الخلاف بينهم، ويبخلون عليهم بنصحهم وإرشادهم، والأخذ بيدهم ومساندتهم والصبر على ما يلاقونه في سبيل الله تحقيقاً لنصرتهم..
{والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}.
د.عبد السلام الهراس