شيء جميل وحسن أن يدخل ربيع الأول وتشع أنواره على المسلمين وهم يجري بينهم حديث طيب عن مولد رسول الله ، فلا غرو أن هذه القضية مما ينبغي أن نؤكده ونعمل على نشره وتوعية الناس به على جميع المستويات وفي شتى الوسائل المتاحة، وبصفة خاصة وسائل الإعلام التي غدا تأثيرها في الناس لا ينكر ولا يجهله كل ذي عينين، ولكن ما أريد طرحه هنا هو، هل يكفي هذا حقيقة للاحتفال بمولد رسول الله ؟
وهل يعد هذا الصنيع كافيا في التعبير عن فرحتنا بمولد الرسول الكريم والنبي العظيم ؟
لا شك أيها القارئ العزيز أنك ستجيب بلسان الحال والمقال : أن هذا لا يكفي ولا يمكن أن يكفي، وإنما هذا هو جزء بسيط من الواجب الذي يجب علينا تجاه رسول الله ، فهذا الفعل لا يعبر بالضرورة عن حبنا وصدقنا في هذا الحب ولذلك أرى لزاما علينا إن كانا صادقين مع أنفسنا ومع ربنا ومع نبينا أن ندلل على هذا الاحتفال والاحتفاء بالأمور التالية :
1- دراسة السيرة : أن ندرس سيرته عليه الصلاة والسلام من يوم مولده إلى يوم وفاته، وحمدا لله تعالى فإن المصادر في هذا الباب موجودة ومتوفرة لكل راغب وطالب، وللقارئ الكريم أن يطلبها من أي مكتبة إسلامية شاء، ويمكن أن أذكر بعضها على سبيل الإشارة لا على سبيل الحصر، فمنها سيرة ابن هشام المشهورة، ومنها فقه السيرة للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، ومنها كتاب الرحيق المختوم لصفي الدين المباركفوري، ومنها فقه السيرة للشيخ محمد الغزالي، ومنها دراسة في السيرة النبوية للدكتور عماد الدين خليل جزاهم الله خيرا، وهناك مصادر أخرى غير هذه، يجدها كل من أرادها في المكتبات الإسلامية، وكذلك هناك كتب أخرى اختصت بذكر شمائله عليه الصلاة والسلام وبيان هديه الشريف مع نفسه، ومع ربه، ومع الناس، وهي متوافرة بحمد الله تعالى، أذكر منها : شمائل الترمذي،وزاد المعاد في هدي خير العباد لابن قيم الجوزية، وسيدنا محمد رسول الله للشيخ عبد الله سراج الدين الحلبي عليه رحمة الله، فقد اهتمت هذه الكتب بذكر التفاصيل الكاملة المتعلقة بحياته عليه الصلاة والسلام،ويجدر بي أن أنبه في هذا المقام على أمر بالغ الأهمية، وهو أنه لا يوجد في حياته عليه الصلاة والسلام أمر مجهول أو مخفي عن الناس بل كل سيرته عليه السلام والسلام كتاب مفتوح للجميع، يقرأه من يشاء، ويتأمله من يريد، فكل سيرته صفحة بيضاء لا توجد فيها نقطة سوداء.
2- الاقتداء به : بعد قراءتنا لهذه الكتب لا بد لنا أن نقتدي به عليه الصلاة والسلام في كل أموره، حاشا الأمور الخاصة به عليه الصلاة والسلام، فإنه لم يكلفنا أن نقتدي به فيها، بل نهانا عن ذلك كما ثبت عنه أنه نهى بعض الصحابة الكرام عندما أراد أن يقتدي به في وصل الصيام، ولا يقولن قائل : إن النبي رسول مؤيد بالوحيولا يمكننا أن نقتدي به، فهذا التعلل غير سديد، بل الله عز وجل أمرنا أن نقتدي به في القرآن فقال : {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة }(الأحزاب : 21).
وقال هو عليه الصلاة والسلام : صلوا كما رأيتموني أصلي، وقال لنا: خذوا عني مناسككم، وليس المطلوب أن نصل إلى درجته في العبادة والرقي، فلا شك أن مقام الأنبياء سام، ولكنا أمرنا أن نقتدي به قدر استطاعتنا، وما هو فوق الطاقة لم يكلفنا الله تعالى به. قال تعالى {فاتقوا الله ما استطعتم}(التغابن : 16).
3- حبه : لا بد لنا من حبه عليه الصلاة والسلام أكثر من أي شيء ويأتي حبه بعد حب الله تعالى، والحب ليس معنى عقليا مجرد ا فحسب، بل هو حب عاطفي كامن في القلب، محروس بسياج الشريعة، لا يعلو بنا إلى مقام الغلو، فندعي فيه ما ليس فيه أو نرفعه فوق المقام الذي بوأه ربه فيه. فلا نطلب منه شيئا هو من خصوصيات الله تعالى، ولا ندعوه كما ندعو ا الله تعالى، فقد قال عليه الصلاة والسلام :لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم. إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله.
4- توقيره : ينبغي أن نوقره عليه الصلاة والسلام، ونعظمه ونحترمه حتى ولو كان ميتا فلا نرفع صوتنا فوق صوته وخصوصا عند قبره، أو في مسجده الشريف عليه الصلاة والسلام ويجب أن نعلم أن حرمته حيا كحرمته ميتا، ومن توقيرنا له صلاتنا عليه كلما سمعنا اسمه الشريف فإن البخيل فينا من سمع اسمه ولم يصل عليه، وهذه قضية قلما ينتبه لها كثير من الناس حيث أنك تجد الواحد منهم يسمع اسمه الشريف يكرر عليه مرارا وهو لا يصلي عليه، ومن توقيرنا له توقير سنته واحترام أحاديثه الشريفة،وتعظيمها وعدم ردها أو الطعن فيها بدافع الهوى، أو ألأغراض الشخصية، أو الحزبية الضيقة، كما يفعل بعض الجاهلين الذين أنكروا سنته وقالوا: حسبنا القرآن فما وجدنا فيه قبلناه، فهذا قول مردود على صاحبه، فإن سنته عليه الصلاة والسلام قيض الله تعالى لها رجالا نفوا عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، فكل ما شهد له الأئمة الثقاة العدول بأنه صحيح يجب أن نأخذ به ونعمل بما فيه من أحكام،فقد أمرنا الله تعالى أن نأخذ بكل ما يصلنا عن رسول الله ، قال الله تعالى : {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}(الحشر : 7). إنا إذا فعلنا هذا نكون حقا قد احتفلنا بمولده عليه الصلاة والسلام.
ذ.سعيد بن أحمد بوعصاب