مفهوم وأهداف التنمية الاجتماعية :
كلما ذكرت عبارة “التنمية الاجتماعية” إلا واتجه الذهن إلى مسألة التكافل الاجتماعي والتضامن والبر والإحسان، ولكن المعنى والمفهوم المتعارف عليه غير ذلك.فينبغي التمييز إذا بين هذه المفاهيم وبين التنمية الاجتماعية، فإذا كان العمل الخيري يتمثل في تقديم العون والمساعدة المادية إلى المحتاجين فإن التنمية الاجتماعية على العكس من ذلك تساعد المحتاجين على ألا يكونوا عالة على أحد وتؤهلهم لكي لا يحتاجوا للمساعدة في المستقبل، بل أحيانا تصيرهم وتحولهم إلى محسنين في المستقبل.كما ينبغي التمييز أيضا بين التنمية الاجتماعية والقضايا والمشاكل الاجتماعية التي تعاني منها المجتمعات مثل: أطفال الشوارع، الطلاق، البطالة… فهذه القضايا لها معالجاتها الخاصة خارج إطار التنمية الاجتماعية.
والهدف الرئيسي للتنمية الاجتماعية هو القضاء على الفوارق الاجتماعية من خلال محاربة الفقر والرفع من المستوى المعيشي للفئات الاجتماعية غير الميسورة أو دون طبقة الأغنياء.
التطور التاريخي للمفهوم :
ومفهوم التنمية الاجتماعية ظهر بعد الفشل الذريع الذي لحق ما يسمى بالتعاون الدولي شمال-جنوب، أي بين حكومات الدول الغنية والحكومات الفاسدة في دول العالم الثالث، وبعد انهيار المنظومة الشيوعية التي قامت على مبدإ المساواة والعدالة الاجتماعية، بحيث لم يبق للمجتمعات الفقيرة إلا الاعتماد على نفسها في القضاء على أسباب وعوامل فقرها أو إفقارها. حيث أصبح هناك وعي حضاري عالمي بضرورة التحرر من قيود الحاجة، خصوصا بعد بروز أنياب العولمة التي هي بمثابة رأسمالية جديدة واستعمار جديد ولكن هذه المرة ليس من طرف الدول القوية للدول الضعيفة بل من الشركات المتعددة الجنسيات (المتعدية للجنسيات بالأحرى) التي أضحت هي الدول الحاكمة فعلا والامبريالية الحقيقية ولكن في ثوب جديد.
ومع هذه التطورات التاريخية والحضارية، أدرك علماء الاقتصاد حقيقة الترابط بين الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، فمما لاشك فيه أن التنمية الاقتصادية تؤدي إلى جانب وظيفتها الاقتصادية وظيفة أخرى اجتماعية حيث إنها في المدى البعيد تستهدف رفاهية الإنسان ورفع مستوى معيشته، والتنمية الاجتماعية تؤدي إلى جانب وظيفتها الأساسية وظيفة أخرى اقتصادية حيث إنها في المدى البعيد تهدف إلى تحقيق أقصى استثمار ممكن للطاقات والإمكانيات البشرية الموجودة في المجتمع. وهكذا فإن الهدف البعيد ومصير التنمية الاجتماعية هو التنمية الاقتصادية والعكس صحيح، كلَّ ما هنالك هو ضرورة أن يسيرا جنبا إلى جنب حتى لا يطغى طرف على آخر.
مجالات التنمية الاجتماعية :
هناك عدد من المحاور التي تعنى بها التنمية الاجتماعية، فبالإضافة إلى تحقيق التوافق الاجتماعي، هناك تنمية طاقات الفرد، وتأكيد الأمن والتأمين الاجتماعي، وتحقيق العدالة وإتاحة سبل تكافؤ الفرص…ويمكن تلخيص محاور التنمية الاجتماعية في ثلاثة محاور أساسية:
- المحور الأول: إنجاز أنشطة مدرة للدخل لفائدة الفئات الاجتماعية الضعيفة بهدف التشغيل الذاتي وتوفير دخل قار، فالنسيج الاقتصادي بمختلف مستوياته (المقاولات الكبرى، والمقاولات المتوسطة والصغرى) لا يستطيع توفير الشغل للجميع، والدولة كذلك، لذلك كان على المحتاجين أنفسهم أن يوفروا لأنفسهم الشغل القار وبالتالي الدخل القار. وهذا الأمر أصبح ينعت بالاقتصاد الاجتماعي.
- المحور الثاني: التكوين ودعم قدرات المتدخلين في مجال التنمية الاجتماعية، أساسا المجتمع المدني بالإضافة إلى المنتخبين والإداريين الذين يتولون تأطير السكان المستفيدين من التنمية الاجتماعية.
- المحور الثالث: إنجاز بعض مشاريع البنيات التحتية الأساسية التي لا تستطيع الدولة والجماعات المحلية إنجازها، لسبب أو لآخر. والتي بدونها لا تتحقق التنمية.
مفهوم التنمية الاجتماعية مفهوم أصيل :
مفهوم التنمية الاجتماعية ليس غريبا عن حضارتنا وثقافتنا الإسلامية، حيث كان من وظائف الزكاة تحقيق التنمية الاجتماعية، قبل أن تتحجم صورتها وتبهت في حس شعوبنا حتى أصبحت الغالبية تحسبها إحساناً فردياً هزيلاً.فوظيفة الزكاة الاجتماعية الأساسية هي التشجيع على الإنتاج والنشاط الاقتصادي النافع، فإيمان المسلم لا يكتمل إلا إذا كان له إنتاج اقتصادي يسد حاجاته أولا ثم يزيد عن ذلك، ويتوافر فيه النصاب، ثم يزيد عن النصاب، أو يتحقق فائض من الإنتاج أو الدخل. هذا الفائض هو وعاء الزكاة (نسبة إلى الوعاء الضريبي) أو ما يستحق عليه الزكاة.ولم يكن يقتصر دور الزكاة أبدا على سد جوع الفقير، وإنما وظيفتها الصحيحة تمكين الفقير من إغناء نفسه بنفسه بحيث يكون له مصدر دخل ثابت يغنيه عن طلب المساعدة من غيره، ولو كان هذا الغير هو الدولة. فمن كان من أهل الاحتراف أو الاتجار أعطى من صندوق الزكاة ما يمكنه من مزاولة مهنته أو تجارته، بحيث يعود عليه من وراء ذلك دخل يكفيه بل يصبح من دافعي الزكاة.
موضوع الحلقة القادمة: “التنمية البشرية”
ذ.أحمد الطلحي