لقد قسم العرب في الجاهلية المسار الدائري للقمر إلى ثمانية وعشرين قسماً وأطلقوا عليها منازل القمر وظل الحال هكذا حتى ظهور الإسلام، بعد مرور حقبة غير طويلة من الزمن على وفاة رسول الله أسس المسلمون مراكز للدراسات العليا أطلقوا عليها اسم بيوت الحكمة وأصبحوا رواد العلم على اختلاف أنواعه من رياضيات وكيمياء وطب وعلم الفلك وذلك طيلة القرون الثلاثة والنصف اللاحقة حتى عرفت هذه الحقبة بالعصر الذهبي، أي العصر الذي نشط فيه ابن سينا وابن الهيثم والبيروني وغيرهم، ولقد دام هذا العصر إلى غاية 1100م.
في عهد الأمويين، كان الاهتمام منصبا على الطب وعلم الفلك وفي عهد العباسين عرف العلم تطورا شاملا حيث أصبحت اللغة العربية لغة علمية دولية وعلى كل راغب في متابعة تطور الأبحاث العلمية أن يتعلم أولا اللغة العربية.
وعندما تولى الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور (754م-775م) الخلافة ا ختار بغداد مقرا لحكمه وأصبحت قبلة لأهل العلم ومركزا للأبحاث تشع جنباته في كل بقاع الدنيا، ومن أشهر علماء ذلك العصر :
1- أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الفزازي : الذي كان له الفضل في اختراع عدة آلات فلكية مثل الأسطرلاب الفلكي الذي يستعمل لرصد ارتفاعات النجوم على اختلاف لمعانها وفي كل لحظة كما أن له عدة مؤلفات وترجم عدة كتب منها كتاب ” السند هند” الذي يتكون من خمس مؤلفات منفصلة وبقي معمولا بهذا الكتاب حتى عهد المأمون ومن مؤلفاته الفلكية، كتاب “العمل بالأسطرلاب المسطح” وكلمة أسطرلاب يعتقد أنها مأخوذة عن الفارسية “اشتراه ياب” وآخرون يعتقدون أنها مأخوذة عن اليونانية “اسطرليون” وفي كلتا الحالتين معناه “متتبع النجوم” وفي عهد الخليفة المأمون تم إنشاء أكاديمية العلوم في بغداد أطلق عليها “بيت الحكمة”.
2- أحمد بن عبدالله المروني : وهو المعروف بالحاسب، وذلك لكثرة مؤلفاته في الحسابات الفلكية كماأنه أدخل تحديد الوقت أثناء النهار لرصد ارتفاع الشمس عن الأفق.
3- أبو العباس أحمد الفرغاني: له عدة مؤلفات منها”الحركات السماوية وجوامع علم النجوم” الذي ترجم إلى اللاتينية وصار مرجعاً هاماً في الدراسات الفلكية في أوروبا.
4- أبو حمد بن جابر البتاني(858- 929) : أثبتت حساباته أن هناك كواكب ثابتة ومن أشهر مؤلفاته ” مطالع البروج فيما بين أرباع الفلك” وكتاب “تعديل الكواكب”،وضع طرق حساب المثلثات الكروية وحساب طول السنة و قامباستنتاج حركة الشمس بالنسبة للنجوم ولقد ترجمت مؤلفاته بعد القرن الثاني عشر إلى عدة لغات ونظرا لأهمية نظرياته الفلكية، فلقد استشهد به كوبرنيك في أكثر من 20 مرة في كتابه المشهور.
5- عبد الرحمن الصوبي (903- 986) : له مؤلفات هامة، اتسمت بالدقة في الرصد والتحليل أهمها”الكواكب الثابتة” و”التذكرة” و”مطارح الإشعاعات” ويهتبر أول من رصد مجرة أندروميد، وهي أول مجرة يكتشفها الإنسان خارج مجرته “اللبانة”.
6- أبو الحسن علي ابن يونس (1009)، ويعتبر من أكبر الفلكيين المسلمين ظهر في عهد الفاطميين الذين بنوا له مرصداً سموه باسمه وله مؤلف شهير إسمه “زيج الحاكم” في 4 مجلدات، ومن أهم أعماله رصد كسوف الشمس وخسوف القمر وهو الذي ابتكر الساعة ذات العقرب الرقاص.
7- عبد الرحمن بن يونس المصري: حيث رصد كسوف الشمس وخسوف القمر في القاهرة سنة 978 م وهو الذي اخترع النواس وبذلك يكون قد سبق غاليلو بقرون.
8- الحسن بن الهيثم (965- 1039) : يعتبر من أكبر الفيزيائين على مر العصور، قام بتجارب في ميدان البصريات تميزت أعماله بأعلى درجات الدقة العلمية، له عدة نظريات منها: ” عندما يمر شعاع ضوئي في وسط ما فإن المسافة المقطوعة تمثل أقصر مسار وأسرعه وبذلك يكون قد سبق نظرية Fermat في الضوء، ولقد سبق له أن شرح ظاهرة انكسار الضوء عند مروره بأوساط مختلفة والتي عالجها فيما بعد إسحاق نيوتن.
9- محمد بن موسى الخوارزمي: له عدة مؤلفات منها كتاب “الرخامة” وكتاب ” العمل بالأسطرلاب” وكتاب ” التاريخ” و له عدة أعمال في علم الفلك.
وهناك علماء آخرون مثل شاكر بن موسى وثابت بن قرة وجابر بن أفلح صاحب كتاب الهيئة في الفلك حين أوضح أن المريخ والزهرة أقرب إلى الأرض من الشمس وغيرهم من العلماء الذين رفعوا راية الإسلام عاليا عملاً بقوله تعالى: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمومنون}(التوبة، 105)
د.محمد حمدون