التعريف اللغوي:
“نمَا الشيءُ ينمُو نُمُوًّا زاد وكثر.. وقال في التعريفات النُمُوُّ ازدياد حجم الجسم بما ينضمُّ إليهِ ويداخلهُ في جميع الأقطار”(لسان العرب: ابن منظور).
إن لفظة “تنمية” لفظة حديثة، وهي تعني الحركة أو الفعل الذي يؤدي إلى النمو، والنمو هو رديف الزيادة والكثرة والزكاة والتطور…
التطور التاريخي للمفهوم:
برز مفهوم التنمية بصورة أساسية منذ الحرب العالمية الثانية، حيث لم يُستعمل قبل ذلك بشكل كبير والمصطلح الذي استُخدم للدلالة على حدوث التطور كان هو: التقدم.
في البداية استعمل المفهوم كمصطلح اقتصادي بحيث “استُخدم للدلالة على عملية إحداث مجموعة من التغيرات الجذرية في مجتمع معين؛ بهدف إكساب ذلك المجتمع القدرة على التطور الذاتي المستمر بمعدل يضمن التحسن المتزايد في نوعية الحياة لكل أفراده.. عن طريق الترشيد المستمر لاستغلال الموارد الاقتصادية المتاحة، وحسن توزيع عائد ذلك الاستغلال”( مفهوم التنمية: د.نصر عارف).
وبعد ذلك انتشر المصطلح بشكل واسع في مختلف المجالات وحقول المعرفة، فهناك التنمية الاجتماعية والتنمية الثقافية والتنمية الرياضية…
المفهوم المعاصر للتنمية مفهوم شمولي:
تطور مفهموم التنمية بعد ذلك ليصبح مفهوما شموليا يشمل جميع مناحي الحياة، فالتنمية المعاصرة والحقيقية هي التنمية الشاملة أو الشمولية، وهذه بعض التعاريف بهذا المعنى:
- “لا يمكن حصر التنمية في الحدود الضيقة للنمو الاقتصادي. (لابد من) تبني مفهوم موسع للتنمية يستوعب أبعادا اجتماعية وسياسية وتكنولوجية وبيئية إلى جانب البعد الاقتصادي. فالتنمية هي عملية تحرر إنساني تشمل تحرير الفرد من الفقر والقهر والاستغلال وتقييد الحرية. كما تشمل تحرير المجتمع من ذل الاعتماد على الخارج وتخليصه من قيود التبعية بكل ما تحمله من استغلال وتقييد للإرادة الوطنية وهشاشة أمام الصدمات الخارجية” (التنمية الشاملة والتطوير الاستشرافي للمفهوم: د.علي حيدر).
- “يستخدم مصطلح التنمية الحديث ليشير إلى عمليات التغيير الإيجابي في المجتمع، ويستند إلى خطط وبرامج علمية معدة ومدروسة للوصول إلى الأهداف المرجوة.. وطبيعة عملية التنمية تتضمن جانبين:
> أولا: الجانب الاقتصادي: وذلك بمعنى أن برامج التنمية يجب أن تهدف إلى تحسين الظروف المادية والاقتصادية من أجل رفع مستوى معيشة الأفراد. أي أن هذا الجانب يعنى أول ما يعنى ببرامج التنمية الاقتصادية..
>ثانيا: الجانب الاجتماعي: ويهتم هذا الجانب بتحسين الأحوال الاجتماعية وتنمية القدرات البشرية، وهو في ذلك يؤمن بأن تحسين المستوى الاجتماعي من النواحي الصحية والتعليمية والسياسية سوف يرفع بالتالي من وعي الجماهير إلى المستوى الذي يجعلهم قادرين على المساهمة في عملية تنمية المجتمع الشاملة” (الحق في التنمية: المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان).
- ” تعتبر التنمية اليوم نتاج عوامل وعناصر متعددة. فهي عبارة عن سلسلة من عمليات التعبئة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لجميع مؤهلات الدولة أو الجهة أو الجماعة المحلية بغية تحقيق عدد من الأهداف تتعلق بتحسين ظروف عيش السكان” (Lصéconomie sociale : Louis Favreau)
> البعد الثقافي والحضاري للتنمية:
فكما تقدم، فإن هناك التنمية القطاعية وهناك التنمية الشاملة، ولكن لوحظ بعض الضعف في العناية بالتنمية الثقافية التي تهدف الرفع من مستوى الثقافة في المجتمعات وترقية الإنسان، كما لوحظ إغفال الأبعاد الثقافية للتنمية، وهذا ما يفسر فشل معظم جهود التنمية في العالم الثالث لأنها لم تهتم بما فيه الكفاية بالثقافات الوطنية.
لذلك وجب التنبيه إلى أن التنمية الثقافية تعد أهم وسيلة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، بل في بعض الأحيانوفي بعض المناطق قد تكون هي قاطرة للتنمية الشاملة المنشودة. لأن ما يصلح لبلد قد لا يصلح للبلد الآخر، فليس هناك أنماطا واحدة ووحيدة للتنمية، كما أن الخصوصيات الثقافية والحضارية ينبغي أن تراعى. وهنا وجب الحذر من الطابع المادي السائد لمفهوم التنمية، بحيث يقاس مستوى التنمية بالمؤشرات المادية البحتة.
وهذا ما يدفعنا للحديث عن المفهوم الإسلامي للتنمية، والذي يمكن اختصاره في الرؤية الإسلامية للإنسان والكون، المتمثلة في كون الإنسان خليفة الله في الأرض وأن الكون كله سخر له لهدف واحد هو: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}(الذاريات: 56). فعمارة الأرض أو التنمية بالمفهوم المعاصر هي أمر واجب على كل مسلم، فهو من جانب يعد عبادة ومن جانب آخر يعتبر جهادا لأن امتلاك عناصر القوة (القوة الاقتصادية والعلمية والثقافية والتماسك الاجتماعي…) يعز الإسلام والمسلمين ويسمح بتطبيق ونشر دين الله. كما أن “التنمية الإسلامية غير مقصورة على الرفاهية المادية، فقد تضمنت النواحي المادية والروحية والخلقية الأمر الذي جعل هذه التنمية تمتد إلى الحياة الأخرى”(مفهوم التنمية في الرؤية الإسلامية: عمرو عبد الكريم).
موضوع الحلقة القادمة: “التنمية الاجتماعية”
ذ.أحمد الطلحي