تواصلت حملة الإساءة إلى رسول الإسلام محمد عبر صحف ووسائل الإعلام في الغرب الحاقد على الإسلام والمسلمين، متحدية بذلك مشاعر وعقيدة مليار ونصف المليار مسلم، غير آبهة بما يخلفه ذلك من أثر عميق في أنفس (المومنين حقا) بهذا الرسول الكريم، وما يتركه من أسى عميق في أنفس المتيمين بحبه والمعتنقين لما جاء به من الشريعة والدين.
والذي يحز في النفس ويَكْلِم الفؤاد، ليس هو التهم الباطلة المنسوبة لرسول الله ابتغاء الانتقاص من قدره الشريف وقيمته العليا، – فإنه أجل من أن تلحقه تهمة، وأشمخ من أن تنتقص من قدره أُكذوبة، وأصْون من أن يستهدف في شخصه وعرضه بشائعة- وإنما الذي يَحزُن ما يراد من وراء ذلك من إهانة المسلمين وإذلالهم، ومسهم في أعز وأسمى معتقد من معتقداتهم، ثم -أيضا- هذا التمالؤ والتكالب من قبل أعداء الإسلام، وتقاسم الأدوار بينهم في الإساءة لرمز الأمة وقائدها وقدوتها؛ مما يوحي بوجود مخطط تظافرت الشواهد والدلائل على أنه مخطط صهيوني ماكر؛ يستهدف -من ضمن ما يستهدف – استفزاز المسلمين والاستخفاف بمشاعرهم وشعائرهم، وعدم إقامة أي اعتبار لعقيدتهم ودينهم، في زمن ضاعت فيه هيبتهم، وقُضي على قوتهم، فلم يعد يقام لهم أي وزن لا في المجال العسكري ولا في المجال الاقتصادي ولا في المجال السياسي ولا في مجال العلوم، ولا في غير ذلك من المجالات.
وتأتي هذه المحاولة اليائسة البائسة للنيل من رسول الأمة الكريم، وللقضاء على ما تبقى من جذوة العقيدة وحماسة الإيمان؛ بتشويه صورة الوسيط الأمين في هذه العقيدة والإيمان والدين، وللقضاء على معالم القدوة الفذة، والأسوة الحسنة، والشخصية الباهرة، الكفيلةُ سنته المطهرةُ وسيرتهُ المسطرة أن تنهضا بالأمة من سباتها، وتعودا بها إلى عزتها المفقودة، ومجدها الضائع، وهو ما لا يُراد لها، ويُعمل بشتى الوسائل والأسباب لعدم حصوله وتحققه.
ويجب أن لا نعجَب كثيرا، ولا نغْتمَّ لما يُثار في حق هذا النبي من أباطيل وأضاليل من قِبل أحفاد القردة والخنازير وأنصارهم، فإنهم قد سبقوا إلى ذلك من قبل أجدادهم في الافتراء والبهتان، ومعاداة كل حامل للواء الحق، وممثل للقيم الرفيعة والمثل العليا المخالفة للمألوفات والعادات، والرغبة في النفوذ والسيطرة على البلاد والعباد، {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمُُ طَاغُونَ}(الذاريات : 53).
لكن الله تعالى كان دائما بالمرصاد لكل متعد على حرمة رسوله ، واقفا إلى جانبه بالمعية والحماية والنصرة، مُلحقا الخزي والعار بكل من تسول له نفسه المساس به أو التطاول عليه.
ويمكن أن نتلمس ذلك من خلال عديد من المواقف والأحداث التي تعرض فيها رسول الله للتطاول والاعتداء، من قبل أعدائه وأعداء الدعوة والدين الذي جاء به ودعا إليه؛ من ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ] قَالَ : قَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ قَالَ: فَقِيلَ: نَعَمْ. فَقَالَ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ أَوْ لَأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ. قَالَ: فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ وَهُوَ يُصَلِّي – زَعَمَ – لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ. قَالَ: فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ. قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ، وَهَوْلًا وَأَجْنِحَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : >لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا<. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {كلا إن الانسان ليطغى أن رءاه استغنى إن إلى ربك الرجعى أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى أرأيت إن كذب وتولى} يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ { ألم يعلم بأن الله يرى كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع ناديه سندع الزبانية كلا لا تطعه}(العلق: 6-19)<(1).
إنها الحماية الإلهية لرسوله وإنه الدفاع والنصرة لأوليائه والانتقام من أعدائه، وهو ما ننتظر أن ينزل بساحة كل من كان على شاكلة أبي جهل وأضرابه في القديم والحديث. قال تعالى: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}(الأنفال:30).
أحبتي الكرام: إن رسول الله في منأى عن أن يستهدف بسوء، أو تؤثر في شخصه التهم. والذي تولاّه وذاد عن عرضه وحمَاه قبل أربعة عشر قرنا من الزمان، قادر على أن يحميه ويحفظ ذكره وشرفه وسمعته وسيرته بتأييد وبمعجزة تناسب الزمان والمكان والحدث والتحدي؛ فيكون ذلك عبرة لمن يعتبر وذكرى لمن يتذكر، وما ذلك على الله بعزيز، لكن الذي يجب أن تفهمه الأمة في سياق هذه الأحداث المتتالية وتعد له عدته؛ هو أنها هي المستهدف بهذه المناوشات، وأنها تتعرض لتمحيص دقيق، ولامتحان عسير من جهتين:
أ- من جهة الأعداء، وذلك لجس النبض، وتحسس مكامن القوة والضعف، واختبار الأدوات والأساليب التي تؤثر والتي لا تؤثر، والتي تفرز ردود أفعال ومدى قوة هذه الردود، والتي لا يكون لها أثر.
ب- من جهة الله تعالى لاختبار مقدار تحمل مسؤولية هذا الدين، والاستعداد للدفاع عنه ونفي تحريف الغالين وإبطال تهم الضالين والمبطلين، ومقدار الحب لهذا الرسول الأمين الذي تحمل في سبيل إيصال الهدى والنور إليها ألوانا من المهانة والمحن.
وهي الآن مطالبة بالإعراب عن هذا الحب -إن كان لها حب – وتجسيده في صورة أفعال ومواقف ترد بها الكيل بمكيالين، وتكون بها في مستوى التحدي، وفي مستوى المواجهة، في مستوى الدفاع. ولن تعدم الوسائل والأساليب، وما المقاطعة الاقتصادية وسحب السفراء التي ظهرت تباشير نتائجهما وأظهرا فعاليتهما وجدواهما إلا شكل من أشكال هذه المواقف الكثيرة التي يمكن أن تتخذ، إلا أن الأمة ما زالت في حاجة إلى جرأة وإرادة وإقدام لتقتفي أثر من وقفوا موقف الشجعان – على الأقل في هذه المرة نظرا لطبيعة وجسامة التحدي – ولتعطي المثل على أنها أمة واحدة وأن همها واحد، وأن الأمر يعنيها جميعها من المحيط إلى الخليج، ومن النيل إلى الفرات، ولا يعني دولة أو دولتان أو بعض الدول فقط.
نريد من الأمة أن تكون في مستوى التوقير والتعزير والنصرة الذين أثنى الله بهم على السابقين الأولين من رجالها الأفذاذ، وذلك في قوله جل من قائل: {فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون}(الأعراف:157). ولا نريد أن ينطبق عليها قوله تعالى: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا}(التوبة: 40)، ونريدها كذلك أن تتمثل قول الله تعالى: {للفقراء المهاجرين الذين أُخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون}(الحشر:8).
فبأبي أنت وأمي يارسول الله، ما أكرم قدرك عند الله!!.
وبأبي أنت وأمي يارسول الله، ما أعزك على قلوب الكثير من أمتك!!.
وبأبي أنت وأمي يارسول الله، ما أهون قدرك والدين الذي جئت به على الكثرة الكاثرة من أمتك!!.
وبأبي أنت وأمي يارسول الله، أين نحن مما يجب علينا من محبتك ونصرتك؟!!.
وبأبي أنت وأمي يارسول الله، أين نحن من محبة أصحابك ونصرتهم لك؟!!.
وبأبي أنت وأمي يارسول الله، أين نحن من قول قائلهم:
وَجْهِي لِوَجْهِكَ الْـوِقَـاءُ
وَنَفْسِي لِنَفْسِكَ الْفِدَاءُ ؟!!.(2)
وبأبي أنت وأمي يارسول الله، أين نحن من قول قائلهم:
هَجَوْتَ محمدا فأجبتُ عنه
وعند الله في ذاك الجزاء
فإن أبي ووالـده وعِرْضي
لِعِرْضِ محمد منكم وِقاء ؟!!.(3)
اللهم إنا لا نملك إلا أن نردد ما قاله أنس بن النضر رضي الله عنه في غزوة أحد لما خالف الرماة أوامر الرسول (، وانشغلوا بجمع بالغنائم، وانكشف المسلمون: >اللهم إني أَعْتَذِر إليك مما صَنَع هؤلاء، وَأَبْرَأُ إليك مما صَنَع هؤلاء<(4).
اللهم إنا نعتذر إليك مما صنع هؤلاء، ونبرأ إليك مما صنع هؤلاء.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
———-
1- صحيح مسلم/ صفة القيامة والجنة.
2- قائل ذلك هو أبو طَلْحَةَ، وَكَانَ يَجْثُو بَيْنَ يَدَيْ رسول الله ( فِي الْحَرْبِ ثُمَّ يَنْثُرُ كِنَانَتَهُ وَيَقُولُ هذا البيت./ تفرد بهذا الخبر الإمام أحمد. ينظر مسنده ، حديث رقم 13248.
3- قائل ذلك هوحسان بن ثابت في قصيدته المشهورة.
4- الخبر مروي في صحيح البخاري في كتاب الجهاد والسير، عن أنس رضي الله عنه.
د.خالد العمراني