إن الحج كغيره من العبادات لا يخلو من حكم وأسرار أودعها الله فيه، ولعل من أسرار الحج كونه رحلة ٌإلى الله جل وعلا، إلى ملك الملوك طلبا للصفح والمغفرة والعفو، ذلك أن من عادة الملوك أنهم إذا جاءهم من كان خارجا عن طاعتهم، مناوئا لهم، فأتى أبوابهم من تلقاء نفسه، قبل أن يدركه الطلب، ووقف على أبوابهم، وأطال الوقوف، لاشك أنه ينال عفوهم، ويسقطون عنه العقوبة، ويقربونه منهم. وحال الحاج مع ربه جل وعلا كحال هؤلاء مع ملوكهم ولله المثل الأعلى، فهو يترك بلده وأهله وولده، ويشد الرحال إلى بيت سيده ومولاه، يقطع الوهاد والنجاد، حتى إذا أراد الدخول عليه نزع عنه لباس الكبرياء، وارتدى لباس التواضع، ووقف حاسر الرأس، حافي القدمين، خاشعا متذللا، ولسان حاله يقول : وأين إلا أليك منك المهرب، سيدي ومولاي أنا عبدك بن عبدك قائم بين يديك، متوسل بكرمك إليك. إن طردتني فبمن ألوذ؟ وإن أبعدتني فبمن أعوذ؟ ماأنا بأول من تجرأ على معصيتك فحَلمْت عنْه، فحينئذ يفتح له الباب، ويسقط عنه ربه وسيده اللوم والعتاب، ويصب على قلبه السعادة والطمأنينة صبا، فتقر عينه به وينشرح صدره له، وتسكن نفسه إليه.
ذ. منير المغراوي