إن التربية في مدرسة الحج لها تأثير على حياة المسلم عموماً، فيحس أنه أصبح من المبشرين بالجنة، إذا عاش بعد الحج بأخلاق أهل الجنة قال : >ما أهل مهل -والإهلال هو رفع الصوت بالتلبية- ولا كبر مكبر إلا بشر، قالوا : بالجنة يا رسول الله، قال : نعم<(رواه الطبراني في الأوسط بإسناد صحيح).
وإن أول ما يبدأ به الحاج عند مباشرة المناسك رفع يمينه ليجدد العهد مع الله على الوفاء والسمع والطاعة وخدمة دينه، فيقول : باسم الله والله أكبر، اللهم إيمانا بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك واتباعاً لسنة نبيك محمد <(رواه الطبراني في الكبير بإسناد رجاله ثقات).
إن الحج ليس مجرد عبادة ولكنه مدرسة يعول عليها في صناعة الرجل الموصول بالله الواقف عند حدود الله، العامل بطاعة الله، فلهذا يدخل المدرسة حتى من كان عنده مانع من موانع العبادة، فيصح إحرام الجنب، والحائض، والنفساء، دخل على عائشة فوجدها تبكي فقال : >أنفست -أي جاءتك الحيضة- فقالت : نعم، فقال : ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم فاقض ما يقضي الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي<(رواه مسلم).
ولأن الركن الأعظم في الحج يصح ممن كان عنده مانع من موانع العبادة، قال : >الحج عرفة<(رواه أصحاب السنن).
وفي يوم عرفة يطيش سهم إبليس، وتضيع خططه في الإغواء والإغراء، قال : >ما رؤي الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أغيظ من يوم عرفة< وفي رواية :>ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة<(رواه مسلم).
ومباشرة بعد الوقوف كان النبي يأمر بالسكينة في الأخلاق والسلوك والمعاملة، حتى تظهر آثار الحج مباشرة على حال الحاج، لما رجع من عرفة جعل يقول : >أيها الناس عليكم بالسكينة، فإن البر ليس بالإسراع<(متفق عليه).
ثم أعطى النمودج من نفسه، فكان يسير العنق -وهو السير الخفيف- فإذا وجد فجوة نص -أي أسرع-<(متفق عليه). إن الله عز وجل يقول للمسلم ينبغي أن تدخل هذه المدرسة بالسكينة والوقار، لتخرج منها محرراً من العار، قال تعالى : {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} لأن أيام هذه المدرسة الإيمانية كلها تأطير وتربية، وتكوين وإعداد، والإلحاد في الحرم هو المعاصي، قال مجاهد : أن تعمل فيه عملاً سيئاً. وقال أيضا : هو قول الرجل في الحرم : لا والله وبلى والله، يعني الجدال والمخاصمة.
وقال ابن عباس : إن السيئات تضاعف في مكة كما تضاعف فيها الحسنات.
فهل أدركرنا أخي المسلم مقاصد مدرسة الحج؟
ذ. عبد الحميد صادوق