في مؤتمر فاس الدولي عن:” الحضارات وتنوع الثقافات”
خلال أيام23 و24و25/11/ 2007 احتضنت مدينة فاس العاصمة العلمية للمملكة المغربية والمحتفى بها هذا العام عاصمة للثقافة الإسلامية مؤتمرا دوليا عن ” الحضارات والتنوع الثقافي” من تنظيم المركز المغربي متعدد التخصصات للدراسات الاستراتيجية والدولية الذي يشرف عليه الدكتور الأستاذ عبد الحق العزوزي بكلية الحقوق بفاس
شاركت في هذا المؤتمر شخصيات دولية عديدة تمثل مختلف الاهتمامات المعنية بالموضوع من يهود ومسيحيين ومفكرين وعلماء مسلمين وسياسيين ودبلوماسيين من مختلف دول العالم.
أولا : إشكالات المؤتمر :
تعددت موضوعات المؤتمر ومحاوره بقصد إثارة جوانب متعددة ومعالجة إشكالات جوهرية تتعلق “بالحضارات والتنوع الثقافي” ومن جملة المحاور والإشكالات التي عرض لها المؤتمرون :إشكالات تعريف الثقافة والحضارة والهوية؟وما هي المرتكزات الكبرى والمقومات الأساسية والجوهرية للحضارة والثقافة ؟ وما هي طبيعة العلاقة بين الحضارات والثقافات؟ هل هي علاقة صراع أم تعايش ؟ وكيف تفاعلت الحضارات والثقافات في التاريخ الإنساني ؟ وما هو واقع التفاعلات الحضارية والثقافية في واقعنا المعاصر وما هي آفاق هذه العلاقات ؟ وما هي السبل لإقامة جسور التعاون والتعايش بين الشعوب الإنسانية ؟ هل هي القيم الإنسانية المشتركة؟ أم هي القيم الدينية الصحيحة والمشتركة ؟ أم هي المصالح المشتركة بين جميع الشعوب والأمم؟ وكيف يساهم الحوار في تجاوز عوائق التواصل والتقارب ؟ وما حدوده وإمكاناته ؟ وما هو حجم أثر الواقع السياسي العالمي الحالي وكيف يلقي بظلاله السياسية والاقتصادية غير المتوازنة في تعميق التباعد واللا تعايش في ظل نظام عالمي يقوم على العولمة والقوة والتسلح والجشع الاقتصادي وهيمنة ثقافة القوي أو الأقوياء؟
ثانيا : ملاحظات :
رغم أن المؤتمر أعلن في شعاره بكونه ينصب على “الحضارات والتنوع الثقافي ” إلا أن المؤتمر طغى عليه البعد السياسي شكلا ومضمونا وهدفا ، لاعتبارات لعل أبرزها صعوبة الفصل بين السياسي والثقافي وصعوبة فصل المكون السياسي عن بنية الحضارة وتفاعلاتها مع الحضارات الأخرى ثم ثقل الواقع السياسي الدولي المعاصر الذي ترجع أغلب مشاكله إلى الفعل السياسي المرتبط بنيويا بإطاره الحضاري ومرجعيته الدينية والثقافية . ولذلك فرغم أن المؤتمر حاول التركيز على الحضارات والتنوع الثقافي إلا أن الحضور السياسي كان قويا وإن لم يكن معلنا وذلك في المستويات التالية على الأقل:
- فعلى مستوى الشكل لوحظ الحضور القوي للأطراف الأخرى الممثلة للثقافة والحضارة الأوروبية من ممثلين للكنيسة وممثلين للطائفة اليهودية وسياسيين وإعلاميين وخبراء دوليين ودبلوماسيين (السفير الأمريكي السابق في السعودية ، ومسؤولين حكوميين في مناصب حساسة ) كما أن مهمة كتابة تقارير الجلسات والورشات أسندت إلى الأجانب ، فضلا عن أن المداخلات كانت تتم باللغة الفرنسية والانجليزية ولو كان أصحابها من المتدخلين عربا أضف إلى هذا أن البيان الختامي شارك فيه الطرف الآخر من الوزن الثقيل …
- وعلى مستوى المضمون : كانت الدعوة صريحة إلى التطبيع الثقافي مع الكيان الصهيوني وضرورة الاعتراف به ككيان سياسي وثقافي لما لليهود من حضارة وإسهام نوعي في الحضارات الإنسانية، كما انصبت بعض ورشات مساء السبت على شرح وبيان السياسة الأمريكية عالميا وأهدافها الإنسانية في نقل الديمقراطية ونشر ثقافة السلام والحفاظ على الاستقرار، كما عكس البيان الختامي البعد السياسي بجلاء عندما أشار – على الأقل- إلى قضيتين سياسيتين :
الأولى تتعلق بالدعوة إلى تأسيس الدولة الفلسطينية عبر ” الحوار الفعال في السلم يستوجب عليه المساهمة في إيجاد حلول نهائية للمشكل الفلسطيني وذلك بتأسيس دولة فلسطينية حرة ومستقلة”. وكأن أزيد من خمسين سنة من الجهاد والتضحيات والدماء ذهبت هدرا والآن سيبدأ التفكير في “المشكل الفلسطيني” ب”تأسيس دولة فلسطينية حرة ومستقلة “دون الإشارة إلى حدودها !! مع تعليق المهمة بمؤسسات المجتمع المدني مع أن هذه الأخيرة لا تملك القرار السياسي الإلزامي على الجهات المسؤولة عن هذا المشكل .
الثانية تتعلق بتضمن البيان الختامي لعبارات ومصطلحات سياسية قوية ولدت في سياق الهيمنة الغربية وحربها على العالم الإسلامي مثل “العنف” و”التطرف” و”الظلاميات” والتي ينعت بها الطرف الإسلامي الضعيف دون أن يلتفت إلى عنف الدول الكبرى وإرهابها وظلاميتها وهي التي تملك أدوات الإبادة وتسبق وتبادر إلى ممارسة كل أشكال ذلك بدون حسيب ولا رقيب أما اعتبار مقاومة المحتل عسكريا أو سياسيا واقتصاديا وثقافيا إرهابا و ظلامية فهو مما لا يقبله العقلاء .
أما من حيث الهدف فإن المؤتمر جاء لمعالجة مشاكل إنسانية هي نتيجة السياسات الدولية من حروب وعنف وسوء التفاهم والصراع والأحكام المسبقة وحالة اللا عدل واللا توازن والسباق المحموم نحو التسلح وتحقيق مصالح الأطراف القوية على حساب الشعوب المقهورة ويظهر أن هذه المشاكل ليس المسؤول عنها إلا السياسات الرسمية لهذه الدول وبالتالي فإن المؤتمر وإن غيب البعد السياسي واقتصر على مفهوم الحضارات والتنوع الثقافي إلا أن حضور هذا المعطى كان قويا لا من حيث دوافع عقد المؤتمر ولا من حيث وعي المشاركين والحضور المتابع حيث تمت الإشارة إلى ضرورة تناول ظاهرة الحضارات والتنوع الثقافي من منظور شمولي يستحضر جميع المكونات والعوامل بشكل متوازن .
وفي الختام نشدد على أهمية المؤتمر في جوانب كثيرة منها دعوته إلى تبني الحوار بشروطه وآدابه في حل كثير من أزمات العالم المعاصر ، وضرورة الحرص الجماعي والمشترك على التعايش السلمي والآمن والتفكير في مستقبل إنساني أكثر عدلا وأوفر أمنا.وأن مواصلة هذا الحوار ” يستوجب إرادة حقيقية واحتراما متبادل الأهداف والغايات التي ترسخ القيم والمبادئ الإنسانية التي تكون الجدع المشترك لكل الحضارات والثقافات والأديان. يمثل الحوار شرط التساكن الآمن والدائم أما التجاهل والفهم المغلوط للآخر فيؤديان إلى المآسي والصراعات المستمرة” ( من نص البيان الختامي ).
بقلم: د. الطيب بن المختار الوزاني