قال تعالى : {كلا إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفّا صفّا وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى}(الفجر : 21- 23) هذا مشهد من مشاهد يوم القيامة، وما أكثر مشاهد القيامة، يصوره لنا القرآن الكريم تصويراً دقيقا حتى كأننا نراه رأي العين، إنه مشهد المجيء بجهنم! نعم فجهنم التي يساق إليها المجرمون عطاشا {يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً} مكبلين بالسلاسل والأغلال {فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون} {خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه} ويخاطبون فيها بقول العزيز الجبار المنتقم… {اخسؤوا فيها ولا تكلمون} ويطلبون الفناء فيجابون بقول الملك العلام {قال إنكم ماكثون}.
جهنم هذه التي وصفها القرآن الكريم وصفا دقيقا، ووصف أهلها وما يلقون فيها من عذاب شديد وعقاب أليم يجاء بها يوم القيامة مجرورة من مكان يعلمه خالقها سبحانه {وجيء يومئذ بجهنم} من أين؟ الله أعلم، لكنه جيء بها فعلا، وهذا هو المهم!
عن عبد الله بن مسعود ] الله عنه قال : قال رسول الله : >يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها<(رواه مسلم). وانظر إلى هذا الكم الهائل والعدد الضخم من الملائكة الذين يجرون هذا المخلوق الذي هو جهنم تدرك كم هو ضخم وعظيم!! حوالي خمس مليارات من الملائكة لجر جهنم فقط!! فكم سعتها إذن؟ الله أعلم!
ولذلك لما نزلت هذه الآية كان من أمر رسول الله ما كا ن، فقد قال أبو سعيد الخدري ] لما نزلت {وجيء يومئذ بجهنم} تغير لون رسول الله ، وعُرف في وجهه حتى اشتد على أصحابه، ثم قال : >أقرأني جبريل : {كلا إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا، وجيء يومئذ بجهنم}<(1).
قال علي ] : قلت كيف يجاء بها؟ قال : يؤتى بها تقاد بسبعين ألف زمام، يقود كل زمام سبعون ألف ملك، فتشرد شردة لو تركت لأحرقت أهل الجمع، ثم تعرض لي جهنم فتقول : مالي ولك يا محمد، إن الله قد حرم لحمك علي فلا يبقى أحد إلا قال : نفسي نفسي، إلا محمد فإنه يقول : رب أمتي، رب أمتي<.
فانظر أيها العبد المسكين، يا من أسرف على نفسه -مثلي- في الذنوب والمعاصي، وفرط في جنب ا لله كثيرا ولا يبالي، انظر إلى حال سيد الخلق ، انظر إلى من غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، انظر إلى من حرم الله لحمه على النار وحرم النار على لحمه انظر إليه وقد تغير لونه، واشتد به الأمر، حتى عرف ذلك في وجهه الشريف، وخاف عليه الصحابة، وخافوا على أنفسهم : ماذا هناك؟ ما الأمر؟ يتهامسون، ويتساءلون…
إنها جهنم، تلك التي لا بد من المرور عليها، وما أشده من مرور، وما أصعبه وما أخطره!! {وإن منكم إلا واردها كان علىربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا} جهنم هذه هي التي غيرت لون رسول الله ، فماذا غيرت فينا؟ ترى هل تحرك القلب؟ أم دمعت العين؟
فكن من جهنم على حذر، فإن أبا بكر ] قال لو وضعت إحدى رجلي في الجنة ما أمنت مكر الله< وذلك بالقرب منه أكثر وأكثر، نسأله سبحانه أن يكتبنا من أهل الجنة بفضله، وأن يحرم أجسامنا على النار برحمته آمين.
ذ. امحمد العمراوي
—-
1- الجامع لأحكام القرآن : 55/20 وحاشية الصاوي على الجلالين 2362/6.