3- مرحلة النضال الوطني وانخراطها في الملحمة الكبرى، ملحمة المطالبة بالاستقلال، وتوقيعها على وثيقة الاستقلال كأول مغربية تشارك في العمل السياسي وتبرز فيه.
وقد حدثتني كثيرا عن هذه المرحلة الغنية بالأحداث العظمى وعن مشاركتها فيها.
فمثلا عندما تتحدث عن الطائفة وهي الخلية السرية للحزب الوطني تقول : بأن دورها فيها كعضو كان يتجلى في نقل تقارير الطائفة المتعلقة بالمواضيع الوطنية الى محمد الخامس، وهذه التقارير كانت تكتبها هي بخطها وفي ورق جيد.. كما أنها كانت تحضر الاجتماعات وتناقش وتدلي برأيها وتقوم بالمهمات التي تكلف بها..
وعندما تتحدث عن أول اتصال لها بالمغفور له محمد الخامس تقول : إن أول اتصال لها بالملك محمد الخامس كان سنة 1943 بصفتها زوجة أستاذ ولي العهد (الحسن الثاني)، وأن هذا الاتصال دام إلى لحظة من حياته.
وعن تأزم الحالة السياسية بالمغرب تقول : >وذهبت مع بعض الإخوان في سيارته إلى فاس من أجل جمع العلماء لتجديد البيعة لمحمد الخامس بعد أن اتضح أن الفرنسيين مزمعون على خلعه. هذا العمل قمنا به في خفاء<.
وتضيف : >وتم إعداد نص البيعة، وحضر العلماء إلى الرباط وقدموها إلى الصدر الأعظم، ثم اتصلتُ بمحمد الخامس أخبره بما تَمَّ، فخاطبني قائلا : إنني أكون دائما متيقنا من نجاحك عندما أكلفك بعمل، لأنك تؤدينه بأمانة، صحيح كُنت متيقنا من نجاحك<
هذه عباراتها أنقلها بأمانة.
وعندما نفي الوطنيون أصبحت هي المسؤولة عن الحزب.
وعن المظاهرات، مظاهرة السيارات التي نظمت في جميع الأنحاء قبل أسبوع من جريمة النفي تقول : >وعندما حضرت وفود الحزب إلى الرباط لاحظت أنها متذبذة ومترددة في دخول المظاهرة، فتقدمت أمامهم، وأنا متسترة بالحايك وأشرت إليهم بالتقدم إلى الأمام فاندفع الجميع كالسيل الهادر..<.
ومن أجمل ما سمعته منها، وهي تتحدث عن ظروف النفي، نفي محمد الخامس، هذه الفقرات : >طلب مني الأخ الدويري والأخ الشيكر أن أتصل بمحمد الخامس، وأن أبلغه أنهم على العهد، وأن عليه أن يثبت ويطمئن، ويوم 19 غشت، قصدت القصر الملكي وأنا بالجلابة واللثام، والقصر مطوق، وفي باب التوارگة أوقفوني ومنعوني من الدخول، كان ذلك حوالي الساعة 3 بعد الظهر ولكنني استطعت أن أخدع العسكر وأضلله، إذ ركبت السيارة مع الأخ ابن مسعود، ودخلت على محمد الخامس، وأمامه سألته الوصية، فأجابني متأثرا، أسأل الله ألا يسكت المغرب من بعدي فأجبته : يا سيدي، أنا أعدك وعدا صادقا أن المغرب لن يهدأ له بال، وستراق دماؤنا إلى أن ترجع أو ننفى جميعا، والله على ما أقول شاهد، ويشهد كذلك التاريخ، ثم قبلت يده وخرجت في خفاء، ثم نزلت في ساحة العلويين وذهبت توا إلى منزلي بحسان بالرباط..<.
وكان هناك اتفاق على الاجتماع معها في منزلها يوم 20 غشت، فقد كان الوطنيون كلهم في السجون، ولذلك كانت أمور الحزب كلها بيدها.
وعن هذا تقول : >وفي الغد (20 غشت) جاءني الأخ الدويري في الساعة الحادية عشرة صباحا وكذلك الأخ الشيكر وآخر، وقال لي الدويري : المدينة كلها مطوقة، والجيوش ناعسة على بطونها (هذه كلمتها) وعلى أهبة الانقضاض وأنت يجب أن لا تخرجي، والاجتماع يلغى، وخرج الأخ الدويري راجلا، وبقينا في حالة الاستنفار، إلى أن سمعنا أزيز الطائرة المهددة للملك، ثم كان ما كان..<.
هذه لقطات خاطفة من سجلها الوطني قدمتها كما حدثتني بها، وهي نماذج من فيض عملها الجهادي الوطني.
كنت لا أشعر بالوقت يمر وهي تحدثني عن مرحلة النضال الوطني، فأستزيدها وأستزيدها ولا يزيدني الورد إلا عطشا..!
أضف إلى ذلك أنها كانت تتحدث ببراعة وبتؤدة، تزن الكلمات وزنا وبصوت هادئ ومنخفض، باختصار كانت تجيد الحديث وتتقنه..
متعة ما بعدها متعة..!
إن ما قامت به الراحلة ورفقاؤها من أجل استقلال المغرب يجب أن يدرس في المدارس، وأن يكون من مكونات المناهج التعليمية..
بل إنني أطمح في أن تقوم الهيآت المتخصصة في السينما والتلفزيون بإعداد أفلام ومسلسلات عن هذه المرحلة الغنية بالأمجاد تكون في المستوى المطلوب، ولنا في مصر الشقيقة خير أسوة بما تقدمه من أعمال تلفزيونية وسينمائية رائعة عن تاريخها الوطني.. تاريخنا الحديث يجب أن تعاد كتابته.
فأجيالنا الحاضرة تجهل تاريخ أمتها بشكل رهيب، وهناك أدلة كثيرة على ما أقول.
أحيانا يخيل إليّ أن المسؤولين أنفسهم والذين بيدهم مقاليد أمورنا يجهلون أيضا هذا التاريخ!
دة. آمينة اللوه