نوقشت برحابة كلية الآداب والعلوم الإنسانية -سايس- التابعة لجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس أطروحة دكتوراه بتاريخ 12 أكتوبر 2017، في موضوع: “فقه النوازل بالمغرب الأقصى خلال القرنين التاسع والعشر الهجريين- قضايا المرأة أنموذجا”؛ تقدم بها الباحث إدريس مرزوق؛ أمام لجنة علمية مكونة من الدكتور إدريس الشرقي كلية الآداب سايس فاس رئيسا، والدكتور عبد الله الهلالي كلية الآداب ظهر المهراز فاس عضوا، والدكتور محمد الأنصاري كلية الآداب مكناس عضوا، والدكتورة ماجدة بنحربيط علمي كلية الآداب سايس فاس مشرفة ومقررة، وبعد المناقشة والمداولة منحت اللجنة العلمية الباحث درجة مشرف جدا مع التوصية بالطبع.
وفيما يلي ملخص التقرير العلمي الذي تقدم به الطالب بين يدي اللجنة العلمية:
“إن الموضوع الذي اخترت البحث فيه هو بعنوان: (فقه النوازل بالمغرب الأقصى خلال القرنين التاسع والعشر الهجريين- قضايا المرأة أنموذجا)، قصدت من خلاله تسليط الضوء على قضية المرأة بإحدى المراحل التاريخية التي مر بها مجتمع المغرب الأقصى، والتي عرفت زخما كبيرا في إنتاج النوازل الفقهية، وفي ظهور عدد من كبار فقهاء النوازل، كما تميزت بصدور فتاوى تعنى بالدفاع عما يسمى اليوم بحقوق المرأة، وتروم الارتقاء بمكانتها، ونصرة قضاياها، وتكفي الإشارة هنا إلى بعض رواد هذا الاتجاه كالإمام محمد بن قاسم اللخمي الشهير بالقوري (ت872هـ) والفقيه أبي القاسم بن خجو (956هـ) والفقيه ابن عرضون (992 هـ) وغيرهم، حيث كانت لفتاوى ابن عرضون في قضايا المرأة -على وجه الخصوص- آثار على مستوى النقاش الفقهي بما أحدثه من تشهيرات خالف بها ما اشتهر لدى فقهاء المذهب ومجتهديه.
ونروم من خلال ذلك كله أن نستبين دور المرأة وحضورها ووضعها في الحياة العامة في هذه المرحلة، من خلال ما تثبته النوازل الفقهية من مشكلات ثار بصددها جدل فقهي، ونقاش اجتماعي، وقال فيها فقهاء العصر كلمتهم، لنستنتج من ذلك مدى مراعاة فقهاء الإسلام لكيان المرأة، ومدى حرصهم على صيانة حقوقها، واعتبارهم إياها مساوية لأخيها الرجل في التمتع بالحقوق وتحمل الواجبات، وذلك بدراسة نماذج وقضايا من النوازل المتعلقة بالمرأة، لدى فقهاء المغرب في هذه المرحلة التاريخية، وتتجلى أهمية الموضوع في كونه يناقش موضوعا ثار، وما يزال يثار، بشأنه نقاش متعدد الجوانب، ألا وهو موضوع المرأة، وفي كونه يعالج قضية المرأة من منظور فقه النوازل، ولا يخفى ما لفقه النوازل من أهمية بالغة من عدة جوانب، نذكر منها الجوانب التالية:
في الجانب التاريخي: حيث إن كتب النوازل تتضمن جملة من الحوادث والوقائع التاريخية، التي لا تخلو من فائدة عميمة بالنسبة للباحث التاريخي، وذلك لما تحفل به من إشارات تاريخية، تسمح بتتبع كثير من الظواهر الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، والسياسية، التي قد تغفلها الدراسات التاريخية، مما يتيح الفرصة لاستكمال الرؤية التاريخية للأحداث والوقائع.
في الجانب التشريعي: حيث تتمثل أهمية النوازل في قدرتها على إيجاد حلول عملية لكل الوقائع والنوازل التي تنزل بالمسلمين على مستوى الفرد أو الجماعة، وذلك من خلال إعمال النظر الفقهي في نصوص الوحي قرآنا وسنة، والاجتهاد في تنزيلها على تلك الوقائع والحوادث ، وكذا من خلال الاعتماد على الأصول التشريعية لاحتواء النوازل المستجدة، الأمر الذي يغني الجانب التشريعي.
في الجانب القضائي: تعد كتب النوازل بما تتضمنه من أجوبة فقهية لنوازل وقعت في الزمن الماضي، مرجعا للمفتي والقاضي يجدان فيها ما يعرف بالسوابق القضائية، قد يستند إليها المفتي في فتواه والقاضي في حكمه.
وأما موضوع المرأة فإن أهمية البحث فيه ما تزال تتجدد من حين لآخر، بحكم الحركية التي يعرفها، وتعدد الرؤى التي ينظر منها كل باحث فيه، كما أن تناوله من منظور فقهي يبقى من الأهمية بمكان، بالنظر للادعاءات التي تلصق بالفقه الإسلامي تهمة التهميش للمرأة، وكونه لا يعيرها نفس المكانة التي يعطيها للرجل، ومن شأن النبش في فتاوى ونوازل المفتين، وأحكام القضاة أن يمدنا بكثير من المعطيات عن موضوع المرأة، قد تكون كفيلة بتصحيح هذه الرؤى، أو تأكيدها من خلال أقوال الفقهاء المعنيين بالأمر بشكل مباشر.
أما إشكالية البحث فتتمثل في محاولة التعرف على وضع المرأة في المجتمع المغربي، ومن خلالها المرأة المسلمة، من منظور فقهي، أملا في الإجابة عن كثير من الدعاوى التي تثار في هذا العصر بالذات، المتمثلة في كون الفقه الإسلامي فقه ذكوري، يدوس على كرامة المرأة، وأن الفقهاء يتحملون نصيبا من المسؤولية عن الأوضاع التي عاشتها المرأة المغربية في عصور مختلفة، والتي ما تزال آثارها ممتدة في عصرنا هذا.
وللإجابة عن هذه الإشكالية تم تحديد جملة من الأهداف تتمثل فيما يلي:
التعرف على وضعية المرأة المغربية في مختلف مجالات الحياة، وإبراز مكانتها في صلب المجتمع من خلال فقه النوازل.
الوقوف على ما قدمه فقهاء المغرب من جهود في مجال حقوق المرأة، ومدى سعيهم في إبراز مكانتها، وإبراز دور الفقهاء في معالجة قضايا عصرهم وبخاصة قضية المرأة.
التعرف على الأدوات المنهجية التي سلكها علماؤنا في الإجابة عن أسئلة وقتهم قصد الإفادة منها في تذليل الصعوبات المنهجية والمعرفية في التعاطي مع النوازل المستجدة.
لتحقيق الأهداف المسطرة سلكت منهجا يرتكز على:
أولا: المنهج الاستقرائي جمعا وتصنيفا
ثانيا: المنهج التحليلي دراسة لنماذج النوازل الفقهية وتحليلا وتعليلا واستشهادا.
ثالثا: المنهج المقارن للمقانة بين وضعيات مختلفة من المواقف والوقائع والنصوص.
وقد قسمت البحث بعد المقدمة إلى باب تمهيدي وبابين آخرين مذيلين بخاتمة:
في الباب التمهيدي تحدثت عن حالة المغرب الأقصى إبان القرن التاسع والعاشر الهجريين من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية.
وتحدثت في الباب الأول عن: فقه النوازل بالمغرب الأقصى، حيث قسمته إلى ثلاثة فصول، تحدثت في الفصل الأول عن تعريف فقه النوازل والألفاظ المرادفة، وعن خصائصه وأبرز علماء فقه النوازل في الحقبة التاريخية المدروسة، وفي الفصل الثاني تحدثت عن خطوات النظر في النازلة ومحدداته المنهجية من خلال مبحثين: المبحث الأول: خطوات النظر في النازلة من حيث تصورها وتكييفها ثم تنزيل الحكم عليها، وخصصت المبحث الثاني للحديث عن جملة من المحددات المنهجية للنظر في النازلة، مثل مراعاة فتاوى السابقين واعتبار المآل، والاجتهاد انطلاقا من أصول المذهب وقواعده. لأخلص في الفصل الثالث للحديث عن أصول الفتوى والاستدلال عند فقهاء المغرب الأقصى وتطبيقاتها من كتب النوازل.
وخصصت الباب الثاني: للحديث عن وضع المرأة المغربية خلال القرنين التاسع والعاشر الهجريين من خلال فقه النوازل، وضمنته ثلاثة فصول، تحدثت في الفصل الأول عن الوضع الديني والتعليمي للمرأة، وفي الفصل الثاني تحدثت عن الوضع الاجتماعي للمرأة المغربية في مبحثين: المبحث الأول يتحدث عن المجتمع وحضور المرأة في عقد الزواج من خلال النوازل الفقهية، وركزت على الخصوص على الولاية على المرأة في عقد الزواج، وعلى المرأة والشروط في عقد الزواج، وضمنت المبحث الثاني الحديث عن المرأة وقضايا المجتمع مبرزا إسهاماتها في قضايا مجتمعها في مجالات عدة.
وأما الفصل الثالث من هذا الباب فجعلت موضوعه الوضع الحقوقي والتشريعي للمرأة، وتناولته في مبحثين: المبحث الأول: الوضع الحقوقي للمرأة، حيث وقفت في هذا المبحث عن حقوق المرأة المرتبطة بالزواج والطلاق وما يرتبط بهما من حمل وتنظيمه أو منعه. والمبحث الثاني خصصته للحديث عن الوضع التشريعي للمرأة، حيث كان مناسبة لعرض نماذج من النوازل الفقهية التي تروم تعزيز الوضع التشريعي للمرأة ومنحها حقوقا لم تكن تتمتع بها من ذي قبل، وذلك بالاعتماد على الأعراف المقبولة شرعا، ومراعاة مقاصد الشريعة ومبادئ العدل والإنصاف التي تعد من مرتكزات الشريعة الإسلامية.
وأما الخاتمة فقد ضمنتها جملة من النتائج والخلاصات التي أسفر عنها البحث، وأهمها ما يلي:
1 – إن المرحلة التي اعتمدت في الدراسة عرفت عدة تحولات، سياسية واقتصادية واجتماعية كان لها أثرها في وقوع النازلة، وفي الأحكام الصادرة بشأنها.
2 – إن الحالة الفكرية والثقافية والعلمية في المرحلة المدروسة كانت على جانب كبير من الإشعاع والازدهار.
3 – إن فقه النوازل على وجه الخصوص عرف في المرحلة المدروسة تطورا محمودا، أسهم فيه عدد من كبار النوازليين خلفوا وراءهم مؤلفات عديدة، وبرز فيه عدد من العلماء الذين تركوا بصماتهم واضحة كما تشهد بذلك آثارهم في هذا الباب.
4 – يشكل التراث النوازلي الجانب الفقهي العملي الذي يوثق لحضور الفقهاء في معالجة قضايا عصرهم، ولا سيما القضايا التي تعد مثار جدل فقهي وموضوع نقاش اجتماعي كبير.
5 – من حيث موضوعات النوازل التي تهم المرأة يلاحظ قلة النوازل المتعلقة بتعبد المرأة وتدينها، مقارنة مع ما سجل من النوازل في موضوعات أخرى كالجانب الأسري والمعاملات المالية.
6 – الوضع التعليمي للمرأة في هذه المرحلة اتسم بالضعف، ويفسر ذلك غياب النوازل الفقهية التي تتحدث عن تعليم المرأة وتعلمها، اللهم بعض الفقهاء الذين تنبهوا لخطورة الأمر فنادوا بتعليم المرأة، وفتح الباب أمامها كي تكتسب من المعارف ما يدفع عنها عار الجهل، كما فرض بعضهم على الرجل تعليم زوجته، بل حث بعضهم المرأة على طلب العلم ولو دون موافقة الزوج على ذلك، ومع ذلك فإن البحث سجل بروز عدد من النساء العالمات اللائي سجل لهن التاريخ حضورا علميا لافتا خلال هذه الحقبة التاريخية.
7 – في الجانب الاجتماعي أبان البحث من خلال النوازل الفقهية، عن حضور قوي للمرأة في هذا المجال، سواء من حيث إسهامها في تنمية المجتمع وتطويره، أو من حيث محاولتها إثبات ذاتها، وفرض وجودها، وإقرار اختياراتها.
8 – تمتعت المرأة بوضع حقوقي متميز، فقد كان من حقها مناقشة عقد الزواج بكافة مكوناته، والانعتاق من الزواج الذي لا تكون فيه مطمئنة على وضعها أو وضع أطفالها، أو تكون فيه متضررة بأي نوع من الضرر، حيث وجدت المخرج من ذلك كله في اللجوء إلى فك العصمة من الزوجية. كما كان من حقها أن تقرر في شأن تنظيم النسل والحد منه، إذا ما دعت لذلك ضرورة.
9 – حظيت المرأة خلال هذه المرحلة من تاريخ المغرب، بوقوف عدد من الفقهاء إلى جانبها وتمتيعها بحقوق ومكتسبات جديدة، أكسبت المرأة وضعا متميزا، فقد تصدى الفقهاء للأولياء في تعديهم على من هن تحت ولايتهم، كما تصدو للأزواج في علاقتهم بأزواجهم، وللمجتمع بشكل عام في كل ما من شأنه التضييق على المرأة، أو إلزامها بما لم يلزمها به الشرع الحنيف، حيث كان الفقهاء بحق يدرؤون عن المرأة كل حيف، ويقفون في وجه كل ظلم إنصافا لها، ودفاعا عنها، وتبرئة للشريعة مما ينسب إليها في هذه الأزمنة من ظلم للمرأة، وهدر لكرامتها، وتبخيس لمكانتها وموقعها.