مقدمة :
إن مسألة تحرر المرأة المسلمة المعاصرة من قيود التقاليد الراكدة والعوائد الوافدة، ونقلها من الواقع المشهود إلى الموقع المنشود والمطلوب شرعا وواقعا وإنسانا، هو تحرر للإنسان المسلم عامة. وهذا التحرر لا يجادل في وجوبه الشرعي وضرورته الواقعية والبشرية إلا معاند جاهل أو ضال منحرف أو مقلد تابع.
والسؤال المطروح في هذا الإطار: هو تحري منطلقات هذا التحرر وقواعده، وكيف ينبغي أن يتم ذلك وما سبيله وما المقصود منه؟.
إن جوهر المشكلة هي أن العديد ممن ينادون بهذا التحرر، يريدونه تحررا من الدين وأحكامه وقيمه ومبادئه، من منطلق التبعية للآخر وثقافته وتقاليده في الحياة كلها، وهذا النوع من التحرر المشهود في واقع الأمة اليوم، ما هو في حقيقة الأمر إلا استعباد للمرأة المسلمة واستغلال لها، وتنكر لخصوصيتها ووظيفتها، وانسلاخ من دينها وهويتها الحضارية، وتقليد أعمى للغرب واتباع لثقافته الطينية الدنيوية، في حين أن المسلمين المتمسكين بدينهم، المحافظين على هويتهم وأحكام شريعتهم ، الواعين بواقعهم ومستجدات حياتهم،يريدونه تحررا بالدين وقيمه ومبادئه ومنهجه إلى الدين وهداياته المنهاجية في التفكير والتعبير والتدبير، ليحققوا بهذا التحرر الشامل الوظيفة التي خلقوا من أجلها في هذه الحياة الدنيا وهي عبادة الله تعالى وحده وعمارة أرضه وتحقيق الشهادة على الناس كما أمرهم بذلك رب الناس وخالقهم سبحانه وتعالى.
وفيما يلي بيان لمنطلقات التحرر المنشود ومنطلقات التحرر المشهود، وبيان لمقتضيات التحرر المطلوب شرعا المنشود واقعا وإنسانا.
أولا: المنطلقات:
1- منطلقات التحرر المطلوب شرعا المنشود واقعا وإنسانا :
أ- المنطلق الشرعي يوجب تحرر الإنسان المسلم رجلا وامرأة، ومقتضى ذلك كما يلي :
أ- 1- – أن تمليه علينا قواعد الدين ومقاصد :
إن التحرر المطلوب شرعا هو التحرر المنشود لحياة أفضل للمرأة المسلمة المعاصرة خاصة وللإنسان المسلم عامة،فالتحرر المنشود هو التحرر الذي يمليه علينا ديننا وقيمنا وثقافتنا قال تعالى: {إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم}(التكوير : 28)، فهذا هو التحرر الذي يطمح إليه ويعمل من أجله كل الخيرين من أبناء هذه الأمة وفي مقدمتهم علماؤها والدعاة إلى الله فيها.
إنه التحرر الذي ينطلق من الدين قواعد ومقاصد قلبا وقالبا، قال تعالى :{إن الدين عند الله الاسلام }( آل عمران :19)، فتحرير المرأة لم يكن ولن يكون إلا بالإسلام شريعة وأخلاقا ومعاملات ونظما، تماما كما حصل في عصر الرسالة والخلافة الراشدة، حيث تحررت المرأة كما تحرر الرجل من قيود الكفر والضلال إلى رحابة الإسلام والإيمان والهدى، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، لذا فإن أي تحرر للإنسان المسلم بل للإنسان عامة رجلا وامرأة يخرج عن قواعد الإسلام ومقاصده لن يكون إلا استعبادا لهذا الإنسان وإفسادا لفطرته ،والله تعالى لا يقبل من الأعمال والأقوال إلا ما كان منها على وزان قواعد الإسلام وميزان مقاصده، قال تعالى: {ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه}( آل عمران :84).
أ- 2- – أن ينطلق من الرسالة القرآنية ويهتدي بهداياتها المنهاجية في التفكير والتعبير والتدبير:
إن التحرر المنشود هو ذلكم التحرر الذي ينطلق من منطلق الشعور بأن عزتنا ونهوضنا وتحررنا وشهودنا الحضاري ،لا يتم إلا بالدين والأخلاق التي بعث الرسول صلى الله عليه وسلم لإتمامها، قال تعالى:{هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}(الجمعة : 2)، فهذا المنطلق هو أساس كل نهوض حضاري، وكل تعليم وتزكية للعقول والأنفس، وأساس كل تنمية بشرية شاملة ، تهدف إلى تحرير الإنسان كل الإنسان في أي زمان ومكان من الجهل والتخلف والتبعية وسوء الأخلاق.
إنه منطلق الوظيفة الرسالية التي حددتها الرسالة القرآنية الخالدة للرسول الخاتم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، تلاوة بمعنى القراءة لآي القرآن وتلاوة بمعنى الاتباع لمقتضاها، وتزكية للنفس بها. إنه منطلق الترقي في مدارج التزكية بالقرآن تلاوة وفهما وتبصرا وتخلقا، ومنطلق التعلم للكتاب والحكمة.
بأداء هذه الوظائف القرآنية تحققا وتخلقا، والاهتداء بهداياتها المنهاجية كما سلف استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم تحرير الإنسان كل الإنسان،وعلى رأسه المرأة الإنسان من أغلال الدنيا،ومن قيود الكفر والضلال والانحراف الفكري والخلقي،فصار بذلك التحرر إنسانا آخر، ولد من جديد ببعث روح القرآن فيه بعد ما كان ميتا رغم حياته الشكلية،قال تعالى:{أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون}(الأنعام : 122)، لأن الكفر والعيش في أحضان الظلمات موت بل أشد من الموت،كيف لا والإنسان يعيش حياة البهائم والأنعام لا حياة بني آدم المكرم بالوحي، قال سبحانه وتعالى:{ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}(الإسراء : 70)، إنه منطلق التكريم لبني آدم جميعهم،ومنطلق الإنعام عليهم بنعمة الحمل في البر والبحر والرزق من الطيبات، ومنطلق التفضيل الإلهي لهم على كثير من مخلوقاته سبحانه وتعالى.
فالتحرر من منطلق كل ذلك منة إلهية ونعمة ربانية تقتضي من الإنسان المحرر الشكر لدوام تلك النعم والمنن، وتقتضي حفظ وصيانة تلك المنطلقات كلها وذلك بالتحقق بها والتخلق بمقتضاها.
ذلكم هو منهج الرسالة القرآنية في تحرير الإنسان الرجل وتحرير الإنسان المرأة على حد سواء، لا فرق بينهما في ذلك كله إلا بالتقوى قال تعالى : {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}(الحجرات : 13).
أ -3- – أن ينطلق من منطلق العدل الإلهي بين المرأة والرجل، عدلا يراعي خصوصية كل منهما،كما يراعي التكامل بينهما في الوظائف وغيرها:
لقد قرر القرآن الكريم هذا العدل وهذه المساواة التي تنبع من العلم الإلهي المطلق بالإنسان مادة وروحا، والعلم بما يصلحه وما يفسده، والعلم بقدراته والوظائف التي تناط به، لأن هذا العلم هو علم الله سبحانه وتعالى الذي:{ أحاط بكل شيء علما}(الطلاق : 12)، ولأن هذا العلم هو علم الخالق الباريء المصور الذي خلق كل شيء ومن ذلك الإنسان، قال سبحانه:{الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل}(الزمر : 62).
من هذا المنطلق القرآني الثابت قرر الحق عز وجل صورا عدة من هذا العدل الذي لا يماثله عدل ولا تدانيه مساواة، ومن تلك الصور ما يلي :
- المساواة في المسؤولية عن العمل،فالمرأة مسؤولة عن عملها، تجازى عنه وتحاسب عليه تماما كالرجل، قال تعالى:{فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو انثى بعضكم من بعض }(آل عمران :195.
- ومن ثمار هذا العدل الإلهي المساواة في الدنيا بين المرأة والرجل المؤمنين في إحيائهما حياة طيبة، قال سبحانه وتعالى :{من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مومن فلنحيينه حياة طيبة}(النحل:97)، والمساواة بينهما في الآخرة بالفوز بدخول الجنة، قال عز وجل:{ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو انثى وهو مومن فأولئك يدخلون الجنة}(النساء:124).
أ- 4– أن ينطلق من منطلق الرعاية المشتركة بين الرجل والمرأة للأسرة :
هذه الرعاية التي بموجبها يتحمل كل منهما المسؤولية الزوجية ورعاية البيت وتربية الأبناء على الإسلام والإيمان، قال صلى الله عليه وسلم : (ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام الأعظم الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم….)(1).
أ- 5- – أن ينطلق من الولاء المشترك المتبادل بين المؤمنين والمؤمنات على حد سواء، والقيام المشترك بالواجبات الشرعية نحو الله ورسوله،ونحو الدين والمجتمع والناس عامة، قال تعالى:{ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويوتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم}(التوبة:71).
ب- المنطلق الواقعي والإنساني يوجب تحرر المرأة من الواقع المشهود إلى الموقع المنشود :
إن تحرر المرأة اليوم التحرر الذي يمليه الوحي -كما سلف- هو التحرر الحضاري الذي يحفظ على الإنسان كرامته وإنسانيته، ويجلب له الصلاح ويدرأ عنه الفساد في المعاش والمعاد، ويحقق له الأمن الروحي والمادي على حد سواء.
ومن هذا المنطلق، فإن تحررا هذا شأنه تقتضيه الضرورة الواقعية وتستوجبه بشرية وإنسانية الإنسان المكلف بعمارة الأرض والاستخلاف فيها،قال تعالى:{ هو أنشأكم من الارض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب}(هود : 61).
2- منطلقات دعاة التحرر المشهود للمرأة تقتضي التحرر من الدين:
إن المعارضين للتوجه الحضاري nالسالف-في التحرر الشامل للإنسان رجلا كان أو امرأة ينطلقون في تحررهم المزعوم مما تمليه عليهم المؤسسات الدولية، وقوى الاستكبار العالمي ،وآلهة الأهواء وشهوات الأنفس، وتلك فتنة عظيمة شرها مستطير يعم المؤمنين جميعا، وقد تكفل الله تعالى بعقاب هؤلاء الفتانين، قال تعالى : { إن الذين فتنوا المومنين والمومنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق }(البروج : 10)، فهذا مصيرهم وهذا جزاؤهم الموعود من الله تعالى ،وجزاء كل الضالين المضلين في أي زمان ومكان للناس عامة ولعباده المؤمنين خاصة.
إن دعاة تحرر المرأة من الدين والقيم والأخلاق الفاضلة في هذا الزمان، ينطلقون من منطلق الشعور بأن عزتهم وتحررهم وتقدمهم في تقليد الآخرين واتباعهم، وأن الدين والفضيلة هما سبب التخلف والاستعباد.
هذه حقائق ينبغي أن يعلمها مسلمو هذا العصر في كل مكان، حتى يحدد كل واحد منهم حقيقة واقعه، وأين يتجه، وما الموقع الذي ينشده لنفسه خاصة وللمرأة المسلمة عامة.
فالتحرر المشهود اليوم الذي يدعو إليه هؤلاء، هو في حقيقة الأمر استعباد للمرأة وإفساد لفطرتها وبشريتها، وتضييع لكرامتها وإنسانيتها،بل هو إفساد للناس جميعا، إذ إفساد المرأة يفضي إلى إفساد البيت والمجتمع، فالمرأة عند هؤلاء إنما خلقت للمتعة والاستغلال والفساد والإفساد، وهذا المنطلق هو منطلق قوى الاستكبار العالمي في هذا الزمان من اليهود والنصارى،وكل من والاهم وسار على نهجهم في ذلك فهو منهم، نال رضاهم باتباعهم وتقليدهم في تفكيرهم وتعبيرهم وتدبيرهم، قال تعالى : {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى، ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير}(البقرة :119).
ذلكم هو منطلق دعاة التحرر المشهود، الذي يدعو إليه عباد العجل الذهبي في هذا الزمان وفي كل زمان، لأنه تحرر من الفطرة التي فطر الله عليها البشر جميعا، وتحرر من الدين وقواعده وأحكامه ومقاصده، وتحرر من قيم الإنسانية والكرامة البشرية، وتحرر من الحرية الحقة التي تجعل من الإنسان عبدا لله لا عبدا لهواه وشهواته ودنياه.
ثانيا : في المقتضيات:
ومن هاهنا فإن المشروع التحرري للمرأة المسلمة المعاصرة وللإنسان المسلم عامة يقتضي منا ما يلي:
أ- الإستقلالية التامة في الفكر والسلوك والقرار، والتبرؤ من التبعية لدوائر الاستكبار والاستعلاء في العالم، ومن هاهنا فإنه لا يمكننا أن نتحدث عن تحرر حقيقي شامل بمعزل عن الارتباط بهوية الأمة وثوابتها ومقدساتها الدينية، حيث إن أي تجاوز لها سيؤدي حتما كما هو واقع حال القوانين المستوردة والتشريعات الوضعية إلى التبعية ،ومن ثم إلى تشييء الإنسان المسلم وضياع عزته وكرامته، وفي مقدمة ذلك المرأة المسلمة حيث ستصبح مجرد سلعة للإغراء والإشهار دون كرامة، تماما كما هو واقعها المشهود اليوم في معظمه أحواله.
ب- وضع اليد على مواطن الخلل ومعيقات التحرر و التنمية بجرأة وجدية، والعمل على بلورة الحلول النظرية والعملية الناجعة بهدوء وروية، الحلول التي تنطلق من الذات وتهدف إلى إصلاح الذات، ذات الفرد والأسرة والمجتمع.
ج- أن يكون التحرر والتنمية شاملين، بحيث لا يقتصران على جوانب دون أخرى، تحرر للفكر والعقل من قيود التخلف والجهل وأغلال التبعية، وتنمية لهما بالعلم والمعرفة، وتحرر للنفس من قيد الهوى وتنمية لها بالتهذيب والتقويم والتربية والتعليم، وتحرر للذات كلها من كل التقاليد والموضات المخالفة للدين القويم , وتنمية لها بنور الوحي الرباني وهداياته الشاملة المانعة.
إن هذا التحرر يهدف إلى تحرر الإنسان ككل من الكلية إلى تحمل المسؤولية، وتحرره مما يعانيه من ضيق في معاشه بتنمية قدراته على الكسب الحلال ، وبتوفير وسائل العيش الكريم واستغلال ثروات البلاد أحسن استغلال ، وبالتخطيط الإداري الهادف للحاضر والمستقبل، وبالتوعية المستمرة بالاعتماد على الذات .
د- الدعوة إلى مراجعة صحيحة لمدونات الأسرة في بلادنا العربية والإسلامية، وإلى تغيير وتعديل جميع القوانين المستوردة من الغرب ، بما في ذلك قوانين المساطر المدنية والقضائية وغيرها ,وقوانين المعاملات المالية والاقتصادية، والقوانين التعليمية والاجتماعية، وقوانين النظم والولايات وغيرها، حتى تصبح جميعها إسلامية لا تتعارض مع ما جاء في دساتيرنا التي تقرر أن الإسلام هو الدين الرسمي لكل دولة من دولنا،حتى يكون التصرف على الرعية وفق ما تقتضيه المصلحة الشرعية .
ثالثا: في منهجية العمل :
على المستوى المنهجي لا بد من العناية اللازمة بمسألة التربية والتعليم ، فإذا أراد أصحاب مشروع تحرير المرأة وإدماجها في التنمية، فليعلموا أن بوابة ذلك هي العلم والتربية، ومن ثم فلتتوجه إرادتهم إن كانت لديهم إرادة صادقة إلى الاعتناء بقضية التربية والتعليم، والدفع في إصلاح المناهج والبرامج حتى تتلاءم مع دين الأمة وحضارتها، وكذا العمل على توسيع دائرة التعليم ليشمل الجميع، فيتم بذلك القضاء على الأمية التي تستشري في صفوف الكثير من الشعوب المسلمة. .
وبموازاة الإصلاح الحقيقي للتعليم مناهج وبرامج ومؤسسات وأطرا ، لابد من العمل على إصلاح الإعلام المقروء والمسموع والمرئي، ليكون إعلاما نافعا بناء خادما للعلم والمعرفة، محفزا على الخير والصلاح والإصلاح، إعلاما ينطلق من الدين ويعود إليه ،ويستقيم على منهاجه ليعم نفعه البلاد والعباد، لا كما هو عليه اليوم، فمثل هذا الإعلام إنما هو معول هدم لا بناء، وأداة تجهيل لا تعليم، ووسيلة تضليل لا هداية، فهو باختصار إعلام منحرف تائه ضال مضل في معظمه.
رابعا: في المقترحات والأهداف:
إن التحدي المطروح على عاتق كل الشرفاء والغيورين في هذا الوطن العزيز، وفي غيره من الأوطان المسلمة، يتمثل في الخروج من دائرة الكلام إلى دائرة العمل العلمي المنهجي الهادف، الذي ينطلق من الأصول والثوابت الحضارية للأمة، ويحترمها ويزن كل شيء بميزانها، فهذا العمل هو الكفيل بتحدي مشاريع التغريب والتبعية.
وفي هذا الإطار فإن واجب الوقت اليوم يوجب على ولاة أمر المسلمين من العلماء والحكام وعلى غيرهم من الغيورين العمل على إنجاز مشروع بديل لتحرر وتنمية الإنسان المسلم وفي مقدمته المرأة، هذا المشروع يهدف إلى إنجاز ما يلي، وذلك حسب ما تمليه الأولويات الكبرى الحالية وواجب الوقت.
أ- وضع قانون إسلامي شامل يعم جميع نواحي حياة الفرد والأسرة والمجتمع والدولة، حيث لا يقتصر العمل بقوانين الشريعة على ما يعرف بالأحوال الشخصية، حتى يصبح الإسلام هو المصدر الأول والأساس لكل تشريع وتقنين في مجال : السياسة والاقتصاد والاجتماع والمعاملات والتعليم والقضاء وغير ذلك من الولايات والمؤسسات التابعة للدولة والمجتمع.
ب- إنجاز مشروع جديد للتربية والتعليم والبحث العلمي يكون بديلا عن المشروع التعليمي المطبق حاليا، لأن التجربة أثبتت فشله، لأنه مشروع يفقد كل مقومات البقاء والاستمرار،ومنها مقومات الاستقلالية والهوية الإسلامية والخصوصية الوطنية، فالمشروع التعليمي المنشود يجب أن يستمد مشروعيته من واقع الأمة، وأن يستلهم مبادئه وبرامجه ومناهجه ومخططاته من تعاليم الإسلام ومقاصد شريعته السمحة، كما يأخذ الصالح مما هو حديث معاصر في كل ما يعم نفعه البلاد والعباد عملا بقاعدة: “جلب الصلاح للناس ودرء الفساد عنهم”، فيكون بذلك مشروعا تعليميا علميا حضاريا جامعا بين الأصالة والمعاصرة معا.
وقبل هذا ومعه وبعده لابد من ربط الناس والمجتمع بالقرآن الكريم ربطا مباشرا، وذلك بتيسير سبل تداوله الاجتماعي بين الناس، وبجعله من الأصول التي يعتمد عليها النظام التربوي في جميع مراحله وأسلاكه وتخصصاته، حتى يكون جميع المتعلمين كبارا وصغارا ذكورا وإناثا على صلة بالقرآن وثقافته وعلمه وأخلاقه.
وبهذا يمكننا أن ندعي التحرر والتنمية والتحضر للمرأة الإنسان والرجل الإنسان، فالتعليم القائم على الهوية الحضارية الأصيلة،والمنهجية الراشدة، والعلمية الراسخة،والبرامج الرصينة،هو مفتاح التحرر والتنمية،ومفتاح التقدم العلمي والعمران البشري والشهود الحضاري للأمة، وبدون ذلك يبقى الإنسان هو الإنسان كما هو الآن وتبقى الأوطان هي الأوطان تماما كما هي عليه الآن.
ج ـ إنجاز مشروع بديل للتنمية الاقتصادية، يعتمد أساسا على قدراتنا وطاقاتنا، وعلى الاستغلال الحر والفعال لثرواتنا المتعددة والكثيرة.
وهنا يلتقي التعليم والبحث العلمي مع التنمية الشاملة، فلا تنمية بدون علم وبدون بحث علمي، ولا تنمية ما دام المغرب يجتر سياسات التيه والضلال في التعليم والاقتصاد والتشريعات والقوانين وغيرها.
وبهذا يكون المشروع البديل مشروعا يتحدى كل المشاريع المتغربة المنقطعة الصلة بديننا وهويتنا الحضارية، ووطنيتنا المستقلة ،وكرامتنا الإنسانية، ألا فاعتبروا يا أولي الأبصار، قال تعالى : {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}(الرعد : 11- 14).
د. محمد الأنصاري الفلالي
———–
1- فتح الباري شرح صحيح البخاري، كتاب الأحكام، حديث رقم: 7138.10