عن أبي رقية تميم بن أوس الداري أن النبي قال: «الدين النصيحة»(ثلاثا)، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال:«لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» (رواه مسلم).
النصح والنصيحة في القرآن الكريم: ورد ذكر النصح في كتاب الله 13 مرة وبلغ عدد الآيات: 11 آية، وجاء النصح في هذه الآيات على لسان الله في قوله تعالى: لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ(التوبة: 92).
كما جاء على لسان أنبيائه ورسله قال تعالى على لسان نوح : … أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(الأعراف:62).
وقال تعالى على لسان هود لقومه عاد: أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ(الأعراف: 68).
وقال تعالى على لسان صالح لقومه: فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ(الأعراف: 79).
وقال تعالى على لسان شعيب : فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَافِرِينَ(الأعراف: 93)
وورد النصح على لسان بعض عباد الله الصالحين: قال تعالى على لسان الرجل الصالح من أقصى المدينة لموسى : وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِين(القصص:19).
كما جاء النصح على لسان إبليس لعنه الله تعالى، قال سبحانه: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ(الأعراف: 19 – 20).
قاسمهما: حلف لهما بالله إنه لمن الناصحين.
- كما جاء النصح على لسان إخوة يوسف لأبيهم قال تعالى: قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ(يوسف: 11).
من خلال الآيات يمكن أن نستنتج ما يلي:
- أن النصح تردد ذكره على لسان الله وعلى لسان أنبيائه عليهم الصلاة والسلام، وعلى لسان بعض خلقه الصالحين والطالحين وعلى لسان إبليس. كما جاء النصح في هذه الآيات مقرونا بجملة من الصفات كالآتي:
1 – اقتران النصح بالدعوة إلى الله وبتبليغ الرسالة، قال تعالى: أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم(الأعراف: 61)، وقال أيضا: أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين(الأعراف: 61).
2 – اقتران النصح بالعلم (المقصود بالعلم: العلم الشرعي): أي على الناصح أن يكون عالما بما ينصح به، قال تعالى: وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون(الأعراف:61).
3 – اقتران النصح بالأمانة (أي الأمانة في التبليغ): … وأنا لكم ناصح أمين(الأعراف: 68)، وقال أيضا: قالوا يا أبانا مالك لا تامنا على يوسف وإنا له لناصحون(يوسف: 11).
4 – اقتران النصح بالرعاية والتعهد، قال تعالى: وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون(القصص: 11).
5 – اقتران النصح بالتوبة، وبتكفير الذنوب والسيئات، والدخول إلى الجنة، قال تعالى: ياأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار…(التحريم: 8).
6 – اقتران النصح بالقسم أو بالتأكيد دليل على الكذب. وهذا نجده واضحا من كلام إبليس قال تعالى على لسانه -إبليس-: وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ(الأعراف: 20)، وقال تعالى على لسان إخوة يوسف: قالوا يا أبانا مالك لا تامنا على يوسف وإنا له لناصحون(يوسف: 11).
7 – على الناصح أن يقدم النصح ويسأل الله التوفيق ولا يقول كقول الشاعر:
نصحت بني عوف فلم يتقبلوا رسولي
ولم تنجح لديهم وسائلى،
وإنما يقول ما قال نوح : ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون(هود: 34).
وهكذا يمكننا أن نخلص إلى الصفات المميزة للناصح وهي: – داعي إلى الله، عالم، أمين، مجاهد، صبور، صادق، تائب…، وهي صفات المؤمنين حقا.
النصح في الحديث النبوي:
ولهذا فلا غرابة أن نجد الرسول يجمل الدين كله في النصيحة، قال : «الدين النصيحة…» وكررها ثلاثا.
ولأهمية هذه الصفة -النصح والانتصاح- نجد الرسول يؤكد عليها في مواقف أخرى، ويجعلها من حقوق كل مسلم على أخيه المسلم، عن أبي هريرة ، عن النبي قال: «حق المسلم على المسلم ست» ذكر منها: «وإذا استنصحك فانصح له».
- وفي المسند عن حكيم بن يزيد عن أبيه عن النبي ، قال: «إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح له».
- كما جعلها النبي مما ارتضاه الحق سبحانه لعباده، عن أبي هريرة عن النبي قال: «إن الله يرضي لكم ثلاثا: يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركو به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم».
هذا عن معنى هذه الصفة وأهميتها في توحيد صفوف المسلمين واجتماعهم على الحق وكذا حكمها، أما في حق من تجب ومن المقصود بها فيوضحه الشطر الأخير من الحديث.
من يستحق النصيحة:
فقول النبي عندما سئل: “لمن؟” قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».
1 – فالنصح لله:
- هو أول قاعدة يرسيها القرآن الكريم، ودارت عليها جل آياته، ومكث الرسول في غرسها في القلوب ثلاث عشرة سنة، قال تعالى: وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين(البينة: 5).
فمن النصح لله: النصح لوحدانيته ، في ذاته وصفاته الكمالية، فالناصح لله تعالى لا يشرك في عبادته أحدا، لا شركا ظاهرا جليا، ولا مستترا خفيا كالرياء وحب السمعة… قال تعالى: فاعبد الله مخلصا له الدين، ألا لله الدين الخالص.
2 – والنصح لكتابه:
يقتضي:
الإيمان بمتشابهه كالإيمان بمحكمه.
العمل بما جاء به من أحكام وتشريعات.
الدفاع عنه عند طعن الطاعنين، وتأويل المحرفين، وأن لا يتخذ لتزيين البيوت والمراكب، أو تحصنا به على هيئة تمائم وتعاويذ…، فهو الكفيل بإخراجنا من الوهن الذي نعيش فيه، وهو السبيل لتقدمنا.
أما النصح لرسوله :
فيقتضي بذل الجهد في طاعته بطلب سنته والتخلق بأخلاقه وآدابه وتعظيم أمره ولزوم القيام به، وشدة الغضب والإعراض عمن يدين بخلاف سنته.
3 – النصح لأئمة المسلمين:
على نوعين: الحكام والعلماء
• فالحكام يكون النصح لهم ب:
• طاعتهم فيما يوافق الحق وما داموا على طريق الحق وطريق رسوله، قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم(النساء: 59).
وعن عبد الله بن عمر ، عن النبي قال: «السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره، ما لم يِؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» (رواه أبو داوود).
• وتكون كذلك بإرشادهم إلى شرع الله تعالى، وإخلاص النصح لهم وهدايتهم إن هم انحرفوا عن الطريق المستقيم الذي رسمه الحق سبحانه لعباده، وبلغه رسوله الأمين عليه أفضل الصلاة والسلام، وهذا النوع من النصح لا يقدر عليه إلا من أوتي الحكمة والسداد من الله .
• الصنف الثاني: هم العلماء ويكون النصح لهم ب:
• احترامهم وتوقيرهم، والحذر من معاكستهم ومشاكستهم ومعاونتِهِم على الحق، والدعاء لهم بالتوفيق وحث الناس على ذلك، وذلك للمكانة التي خصهم بها الحق سبحانه، في قوله تعالى: إنما يخشى الله من عباده العلماء(فاطر: 28).
النصح لعامة المسلمين:
وذلك بإرشادهم إلى مصالحهم وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم وستر عوراتهم، ونصرتهم على أعدائهم ومجانية الغش والحسد لهم: وأن يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه وما شابه ذلك.
مستفادات:
1 – النصيحة حق كل مسلم على أخيه المسلم لقوله : «حق المسلم على المسلم ست، ذكر منها: وإذا استنصحك فانصح له».
2 – الانتصاح هو طلب النصح، وهو كذلك من واجبات المسلمين فيما بينهم، أخرج الطبراني من حديث حذيفة بن اليمامة، عن النبي قال: «من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن لا يمس ناصحا لله ولرسوله ولكتابه ولعامة المسلمين فليس منهم».
3 – ضرورة اختيار الزمان والمكان، والعبارات (الموعضة الحسنة) عند تقديم النصح، حتى لا تتحول إلى فضيحة.
4 – استحضار الصفات السابقة الذكر عند تقديم النصح، وعلى رأسها: الصبر، لأن النصيحة مرة قل من يقبلها، وصاحبها غير مرغوب.
5 – على الناصح أن يكون منصوحا في نفس الوقت، وأن لا يكون كمن قال تعالى في حقهم: أتامرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون(البقرة: 44).
6 – على المرء أن يتجنب كثرة التنصح لأنه يورث التهمة، قال أكثم بن صفي: إياكم وكثرة التنصح فلإنه يورث التهمة.
7 – النصيحة وسيلة ناجعة لتنقية النفس من الأمراض والمجتمع من المفاسد. لذلك وجب المحافظة عليها والحرص على التخلق بها وبآدابها.
ذ. محمد بوزين