بسم الله الرحمان الرحيم
كنت أود أن أكون حاضرا بين ظهرانيكم لألقي هذه الشهادة في حق علم من أعلام الفكر، وفقيه ضليع، وأستاذ نحرير وأديب لا يشق له غبار، فقيدنا فريد الأنصاري السجلماسي أسكنه الله فسيح الجنان. وشاءت ظروف ألا أحضر معكم جسدا، وأنا معكم قلبا ووجدانا. ولا يسعني إلا أن أثمن هذه المبادرة التي أقدمت عليها جامعة مولاي إسماعيل والمجلس العلمي بمكناس برا بواحد من أبنائها البررة.
كنت عرفت الفقيد وهو يكتب مقالاته ذاتَ الجرس الأدبي في جريدة “الصحوة”، ولم أكن أقدر أنه يفعل ذات الشيء متابعا لما أكتب، إلا حين اطلعت على كتاباته العلمية، ووجدت فيها شهاداتٍ لِما كنت أرى آنذاك. كانت الشقة بيننا بعيدةً فهو لم يحدْ عن الحياض الوجداني الذي كرع منه بأرجاء سجلماسة، وكنت أرى آنذاك أن هناك سبلا أخرى، أو سبيلا آخر، هذا الذي أشرقت أنواره الفكرية والعلمية مع الغرب.
وشاءت الأقدار أن نلتقي في نفس المكان، وقد انزاح ما كا ن يفرقنا وتبدد ما كان يحجبنا بحاضرة مكناس الفيحاء. ولن أنسى فضله علي، إذ هو من أرشدني إلى رسائل النور لبديع الزمان النورسي من خلال رائعته الأدبية : “آخر الفرسان”. وقد فهمت بعدها أن صاحبنا يغور في الأعماق ويحدج في الآفاق. يغور في أعماق مواجيده التي نسلها من نبع تافيلات القداح، ويحدج في آفاق ما تناهى إليه اجتهاد فرسان الإسلام. وكانت استنتاجاته عميقة المدى جرّت عليه أحيانا غضبات وشطحات.
كان رحمه الله ذا فكر مكثف لا يسفر عن غناه كله لأول قراءة أو عارضة. وكان يصدر عن وعي عميق لواقع الحال واطلاع واسع على جهابذة الإسلام، وعزيمة قوية وغيرة جياشة في أناة وقصد. وما أحوجنا أن نشتار شهدا من الاجتهادات و”المقاصد” و”الفطرية” وفي “مجالس القرآن” وفي كتاباته كلها.
فليرحمه الله وليُسكنه فسيح الجنان، مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.
د. حسن أوريد