بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة الحضور
باسم العلماء الحاضرين والعلماء غير الحاضرين في هذا المشهد المهيب نعزيكم ونتقبل العزاء أيضا منكم لأن الفقيد رجلٌ منّا، رجلٌ من رجال الصف الأول الذين حملوا رسالة الكلمة والذين خدموا الإسلام بحكمة، وبكل ما أوتي من قوة الإقناع، ومن قدرة على جمع الناس ومن قدرة على الدخول إلى العقول والقلوب المؤمنة.
أيها الإخوة :
إن الموت هو مصيبة وقد سماه الله كذلك حين قال : {مصيبة الموت}. ولكن المصيبة حين تكون مصيبة في العلماء، فإنها شيء آخر، >فليس هلكه هلك واحد ولكنه بناء قوم تهدم<. نحن نتألم جميعا لا لفراق الجسد، وإنما نتألم لأن مصباحا انطفأ، ولأن لسانا سكت، ولأن قلبا مفعما بمحبة الإسلام وبمحبة هذه الأمة وبالشوق إلى الغد الكريم للإسلام مع هذه الأمة المسلمة. هذا المنبر الذي توقف، هذا اللسان الذي سكت هو الذي نتألم الآن لفراقه ونبكي لبكائه، ونسأل الله له القبول والمثوبة وأن يدخله في الصالحين.
أيها الإخوة :
هذه المدينة ككل مدن مغربنا. هذه المدن لها عنوان كبير ألا وهو عنوان خدمة القرآن وخدمة الشريعة. وفي كل شبر من هذه الأرض جماهير من العلماء خدموا هذه الشريعة، وكتبوا وتركوا لنا تركة كبيرة وشرفا نعتز به الآن. وهذه المدينة تبكي الآن فقدان عالم من علمائها وأنها تحس الآن بالحاجة الماسة إلى عطائه في مثل هذه اللحظة. نحن الآن أشد ما نكون إحساسا بعلمائنا الذين يقفون على حدود حماية هويتنا ويدافعون عن إيماننا، ويبلغون القرآن بالأسلوب الذي كان فقيدنا الأستاذ فريد الأنصاري يبلغ به، كان رحمه الله يتذوق القرآن ويحلق في أجوائه ويحببه للناس. وكانت دروسه دروسا نورانية. دروسا تخاطب القلوب والعقول معا، فلذلك تكون الحاجة إليه ماسة في مثلهذه اللحظات التي نودعه فيها. ولكن مع ذلك أيها الإخوة، نعتقد أن أمتنا ليست عقيما وأنها تلد دائما الرجال، وتلد الذين يواصلون المسعى، وتلد الذين يوحدون القضية. وفيكم وفي شباب هذه المدينة وفي شباب المغرب وفي رجاله وفي نسائه أن يستشعروا ضرورة اللحظة وما تستدعيه.
إن الأستاذ فريد الأنصاري إذ ودعناه فإنه ترك مشاريع يجب أن تكمل، وترك مسؤوليات يجب أن ننتبه إليها لأننا لا نتلذذ بتجديد الآلام ولكم الجروح وإنما نتخذ العبرة في الموقف. فمشروعه في التعريف بالقرآن وخدمة الأمة هو مشروع للعلماء جميعا ليتموه وليكملوه لأننا مطالبون في الغد أن نقوم بدله رجالا، ولأن أمتنا كما نقول أمة معطاء >إذا مات منها سيد قام سيد< >قؤول بأقوال الرجال فعولٌ<.
فالعلماء ولله الحمد متوافرون والإرادة موجودة والأجواء مناسبة. فلذلك يجب أن نواصل المسعى ونواصل المسير.
ثم إن له أيضا رسالة لدينا وهي أسرته التي يجب أن نخلفه فيها بخير وعناية وأن نهتم بها وأن نرعاها وأن نري كيف أن الإسلام يعلمنا الوفاء ويعلمنا كيف أن الذي يذهب إلى الدار الآخرة لا يضيع أهله بين المؤمنين وبين المسلمين، فهذه رسالة ولا شك هي رسالة حاله. فهو لا يتحدث ولكنه يقول لأنه عاش لهذه الأمة، فيجب أن تعيش أيضا الأمة لهؤلاء الخلف. نسأل الله لها السداد والرشد.
نحن أيها الإخوة في آخر هذه الكلمة لا نملك إلا أن نعبر عن الشكر عن هذا الإحساس الذي يغمر قلوب العلماء حينما يرى هذه الأفواج ، هذه الجماهير تحضر وتشيع وتتألم وتتنافس على الحمل وعلى حشر الجسد لأن هذه الأمة تقدر علماءها وتوقن بأن العلم الشرعي هو غدها ولذلك تبادل علماءها هذه المحبة وتتألم لفراقهم. فنشكر هذه الجماهير التي تحمل هذا التقدير وهذا الوفاء للعلماء، ونشكر كذلك جميع الذين صحبوا الفقيد في مرضه وكانوا معه وساعدوه وانتبهوا إلى آلامه. فنشكر جميعا الذين حضروا من جهات متعددة من هذا المغرب ليقدموا العزاء ونشكر أيضا جلالة الملك محمد السادس الذي شاركنا أيضا برسالة تعزية وجهها إلى هذا الجمع.
فنشكر الجميع ونسأل الله سبحانه وتعالى الرحمة والمغفرة لأخينا فريد وأن يتقبله في الصالحين ونسأل الله تعالى أن ينبت ذريته نباتا حسنا وأن يخلفهم الله بخير.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
د. مصطفى بنحمزة