إذا كان التاريخ يشكل علامة بارزة ومتميزة في التجربة الكيلانية، فإننا نجده من وجهة أخرى يهتم بهموم أمته، ويتعايش مع واقعه، وينسرب في معاشه، ليصبح الواقع المعيش تيمة موضوعا، معطى ومادة في كتاباته الروائية، وهذا يدفعنا مباشرة إلى البحث في إشكالية لها أهميتها، تلكم هي علاقة الرواية بالواقع، هذه الثنائية التي تتعدد فيها الأسئلة وتتنوع، كما تتعدد الأجوبة وتتنوع تبعا لتعدد المقاربات والقراءات التي ترصد طرائق اشتغال الرواية في علاقتها بالواقع.
إن الكيلاني في كل نصوصه، تسكنه الأفكار، ويشغله الصراع المحتدم بين الخير والشر ويعمل جاهدا على إسماع صوت الخير وجعله أساس التعامل الإنساني، وفي المقابل يمعن في كشف وتعرية الشر بمختلف أنواعه وأشكاله مثل الشر السياسي. والشر الإيديولوجي، والشر الاجتماعي وغيرها من الشرور الأخرى، فهو بتجربته الفنية التي اجتمع فيها ما هو فني بما هو علمي وفكري وسياسي، استطاع أن ينبش في أعماق النفس الإنسانية بكل أصنافها.
علاوة على ذلك استطاع الكيلاني أن يرصد كل تيارات الصراع داخل المجتمع وتحويلها إلى أصوات لغوية تتدافع في نصوصه الروائية، وفي هذا السياق يشير أحد منظري الرواية وهو “فلاديميركرزنسكي” إلى الطريقة التي يتم بواسطتها تمثيل الواقع داخل الرواية، وهي طريقة تعتبر الواقع تعايشا مرجعيا داخل نسقية التمثل الروائي، الأخير يبقى دائما تأويلات للواقع، وعندما نتحدث في تأويل الواقع فهذا يستدعي الكاتب باعتباره راويا خفيا، وهو ما يعني في النهاية حضور النظرة الذاتية للمؤلف في النص الروائي.
وهو ما حرص عليه الكيلاني كل الحرص عندما التزم بالرؤية الإسلامية للكون والحياة والإنسان لحظة إبداعه، يقول الكيلاني في هذا السياق : “لقد بحثت عن أنموذج يحتذى به في الآداب العالمية، فلم أجد أروع وأعظم من القصص القرآني.. ففي القصص القرآني نستطيع أن نستنتج العديد من الألوان الفنية للقصة…”(1)
> د. عبد المنعم الوكيلي
mounimoukili@yahoo.com
————–
1- نجيب الكيلاني :”تجربتي الذاتية في القصة الإسلامية”. ص : 41