قال تعالى : {إذا الشمس كورت، وإذا النجوم انكدرت، وإذا الجبال سيرت، وإذا العشار عطلت، وإذا الوحوش حشرت، وإذا البحار سجرت وإذا النفوس زوجت، وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت، وإذا الصحف نشرت، وإذا السماء كشطت، وإذا الجحيم سعرت، وإذا الجنة أزلفت علمت نفس ما أحضرت}(التكوير : 1- 14).
الكون يسير نحو النهاية، هذه هي الحقيقة! حقيقة ينطق بها الوحي، ويصدع بها القرآن، ويوقن بها أهل الإسلام.
وإلى عهد قريب، كان بعض الناس ينكرون نهاية هذه الدنيا، لكنها اليوم صارت قناعة كل الباحثين!
الكون إذن يسير إلى نهايته، ستتبدل الأرض، وتتغير السماوات، وتندثر الجبال، وتختفي هذه الدنيا، إنه الانقلاب الكوني العام تصوره هذه الآيات، ومثيلاتها في سو ر أخرى- أبلغ تصوير.
وفي كل يوم، بل كل لحظة تحدث انقلابات كونية عظيمة وخطيرة، فإن من مات قامت قيامته، وحصل الانقلاب الكوني الخاص به، فهل فكرت في ذلك؟ وهل اجتهدت في الاستعداد إلى ما هنالك؟.
تأمل معي هذه الآيات، وتدبرها جيدا، وافتح لها عينك وقلبك، وانظر ببصيرتك إلى الشمس وقد كورت وذهب ضوؤها، وإلى النجوم وقد انكدرت وتساقطت، وإلى الجبال وقد سيرت وقلعت من مواطنها، وإلى المراكب وقد عطلت عن أداء مهامها، ثم انظر إلى ما يقع بعد ذلك مما ذكره الله جل جلاله في هذه الآيات، وفي غيرها. وانظر حينها إلى موقعك أنت بالذات، وحالك أنت بالذات، خصوصا وأنت تعلم أن كل واحد سيقرن مع من كانوا يعملون بمثل عمله {وإذا النفوس زوجت} وانظر ماذا في كتابك وصحيفتك : ما يسرك أم ما يحزنك؟ {وإذا الصحف نشرت} وانظر بعدها إلى المصير؟ إلى الجنة هو أم إلى الجحيم؟ {وإذا الجحيم سعرت وإذا الجنة أزلفت} أين أنت ساعتها؟!
يحكي هشام المذكور فيقول :
أردت البصرة، فجئت إلى سفينة أكتريها، وفيها رجل ومعه جارية، فقال الرجل، ليس هاهنا موضع، فسألته الجارية أن يحملني فحملني، فلما سرنا دعا الرجل بالغداء فوضع، فقال : أنزلوا ذلك المسكين ليتغذى، فأنزلت على أني مسكين، فلما تغدينا قال يا جارية هاتي شرابك، فشرب وأمرها أن تسقيني، فقلت : رحمك الله إن للضيف حقا، فتركني، لما دبّ فيه النبيذ، قال يا جارية هاتي شرابك فشرب وأمرها، أن تسقيني، فقلت رحمك الله، إن للضيف حقا، فتركني، فلما دب فيه النبيذ، قال : يا جارية هاتي العود، وهاتي ما عندك، فأخذت العود وغنت تقول :
وكنا كغصني بانة ليس واحد
يزول على الخلان عن رأي واحد
تبدل بي خل فخاللت غيره
وخليته لما أراد تباعدي
فلو أن كفي لم تردني أبنتها
ولم يصحبها بعد ذلك ساعدي
ألا قبح الرحمن كل مما ذق
يكون أخاً في الخفض لا في الشدائد
ثم التفت إلي فقال : أتحسن مثل هذا؟ فقلت أحسن خيرا منه، فقرأت {إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيرت، فجعل الشيخ يبكي، فلما انتهيت إلى قوله {وإذا الصحف نشرت} قال الشيخ : يا جارية : اذهبي فأنت حرة لوجه الله تعالى، وألقى ما معه من الشراب في الماء وكسر العود، ثم دنا إلي فاعتنقني، وقال : يا أخي : أترى الله يقبل توبتي؟ فقلت : >إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين< قال : فواخيته بعد ذلك أربعين سنة حتى مات قبلي<(1).
ذ. امحمد العمراوي
—–
1- دموع الندامة، ص 190.