تحت رحمة شتاء قارس، يقضي إخواننا اللاجئون الهاربون من جحيم القتل والتنكيل، هناك على عتبات أوروبا ينصبون خيامهم، يلفح وجوههم زمهرير البرد، وتنهش أمعاءهم أنياب الفاقة، وطن يرحل جميعه نحو المنافي، تاركا خلفه الديار والأقمار، وطن في الشتات بنسائه ورجاله وأطفاله، كلهم راحوا ضحية لحرب الكراسي، ولسان حالهم يردد مع الفتيان: «لطفي بوشناق».
خذوا المنصاب
خذوا المكاسب
لكن خلوا لي الوطن…
منذ أكثر من نصف قرن كتب بدر شاكر السياب قصيدته الشهيرة «أيوب» وكلما أعدت قراءتها أحسست أن الألم الذي كان يعتصره جسديا ونفسيا ينطبق انطباقا تاما مع واقعنا العربي، ومع الحالة المزرية التي تعرفها العديد من الدول العربية، وخاصة سوريا والعراق، حيث أمسى الموت مشاعا، والهروب شراعا نحو المجهول، فلنستمع إلى «أيوب»:
يا ربَّ أيوبَ قد أعيا به الداءُ
في غربة دونما مالٍ ولا سكنٍ
يدعوك في الدُّجَنِ
يدعوك في ظلمات الموت: أعبَاءُ
ناء الفؤادُ بها، فارحمه إن هتفا.
يا منجياً فُلْكَ نوح مَزِّق السُّدَفا
أطفال أيوبَ من يرعاهم الآنا؟
ضاعوا ضياع اليتامى في دُجًى شاتٍ
في لُنْدن اللّيلُ موتٌ نَزْعُهُ السَّهَرُ
والبَرْدُ والضَّجَرُ
ياربِّ يا ليت أنَّى لي إلى وطني
عَوْدٌ لتَلْتُمُنِي بالشمس أجواءُ
منها تنَفَّسَت روحي: طينُهَا بدني
ومَاؤُهَا الدَّمُ في الأعراق يَنْحَدِرُ
يا ليتني بين من في تُرْبِهَا قُبِرُوا.
ذ: أحمد الأشهب