قال ابن القيم رحمه الله: “المؤمن المخلص لله من أطيب الناس عيشا، وأنعمهم بالا، وأشرحهم صدرا، وأسرهم قلبا، وهذه جنة عاجلة قبل الجنة الآجلة” (الوبل الصيب من الكلم الطيب).
إي والله، إن الإيمان المقرون بالإخلاص لله جل وعلا مصدر لسعادة العبد ونعيمه، وراحة لنفسه وطمأنينة لقلبه وقرة عين له، إذ العبد الصادق لا تقر عينه بغير الإيمان إذ هو جنة الدنيا التي يبحث عنها كل الناس، بيد أن أغلبهم تنكبوا صراطها وأخطئوا سبيلها، فظنت طائفة أنها في الأموال والأرصدة، وظنت طائفة أنها في المناصب والكراسي، وحسبتها أخرى في الشهوات المحرمة والمتع الرخيصة، وطائفة رابعة رأت أنها في الشهرة والنجومية والأضواء، فلما كان لهم أرادوا تحققوا أنهم أبعد ما يكونوا عن السعادة والطمأنينة وراحة البال، فأصبحوا كباغ الماء يتبع السراب، والحال أصدق من المقال وانظر حولك أيها المبارك ترى تعاستهم وبؤسهم، وتسمع تأوهاتهم وحسراتهم فتعلم علم اليقين حقيقة حالهم، فلم يبق لك آنذاك إلا الإيمان فهو الجالب لكل أنواع النعيم والمسرات والدافع لكل أنواع الشقاء والمضرات، قال سبحانه: من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مومن فلنحيينه حياة طيبة . قال ابن القيم رحمه الله: “فهذا خبرُ أصْدَق الصادقين -جلَّ وعلا- ومخبره عندَ أهله عين اليقين؛ بل هو حقُّ اليقين، ولا بدَّ لكلِّ مَن عَمِلَ صالحًا أن يحييَه الله حياةً طيِّبة بحسب إيمانه وعمله” (مفتاح دار السعادة ).
وقال -رحمه الله- في وصفِ حال شيخ الإسلام: “وعلِم اللهُ ما رأيتُ أحدًا أطيبَ عيشًا منه قطُّ مع ما كان فيه مِن ضيق العيش وخِلاف الرفاهية والنعيم، بل ضدها، ومع ما كان فيه مِن الحَبْس والتهديد والإرهاق، وهو مع ذلك مِن أطيبِ الناس عيشًا، وأشرَحهم صدرًا، وأقواهم قلبًا، وأسرِّهم نفسًا، تلوح نضرةُ النعيم، فسُبحان مَن أشْهَد عبادَه جَنَّتَه قبل لقائه، وفتَح لهم أبوابها في دارِ العمل، فأتاهم مِن روحها ونَسيمها وطِيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها!”؛ على وجهه: (الوابل الصيِّب من الكلم الطيِّب).
فاللهم ارزقنا إيمانا صادقا وعملا صالحا وحياة طيبة. آمين.
ذ. منير مغراوي