قال الله : إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا في ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هي ٱلْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (التوبة: 40).
أرسل الله رسوله محمدا إلى البشرية وهي أحوج ما تكون إلى رسالته، وأشدّ ما تكون ضرورة إلى دينه، كان الناس في ظلمات الشرك والجهل، والكفر والضلال، فأرسل الله رسوله ، مبشراً ونذيراً وداعياً إليه بإذنه وسراجاً منيراً.
وجد الرسول الناس يعبدون آلهة شتى، فمنهم من يعبد الأشجار، ومنهم من يعبد الأحجار، ومنهم من يعبد الملائكة والجن والشمس والقمر، يلتجئون إليها في كشف الشدائد والكربات، ويرغبون إليها في جلب النفع والخيرات، يذبحون للأصنام ويركعون للأوثان، ويغشون مجالات الفواحش والمحرمات، يسيئون الجوار، ويقطعون الأرحام، ويكسبون الأموال لا يبالون أمن حلال أو حرام. جاء رسول الله بدعوة الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، بكل ما تضمنته هذه الشهادة من معنى.
جاء نبي الرحمة يدعو الناس إلى العفاف والطهر والخلق الكريم والاستقامة وصلة الأرحام وحسن الجوار والكف عن المظالم والمحارم، جاء يدعوهم إلى التحاكم إلى الكتاب والسنة، لا إلى الكهان ولا إلى حكم الجاهلية، جاء يدعو إلى كسب المال من وجوه الحلال، وإنفاقه في الطرق المشروعة، وجعل الناس كلهم أمام شريعة الله سواء، لا يتفاضلون إلا بالتقوى، قال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ ٱلْفَوٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْىَ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَٰناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ(الأعراف: 33).
استجابت للرسول القلة المؤمنة المستضعفة في مكة، فأذاقهم المشركون أنواع العذاب، وضيّق عليهم الخناق، وائتمر المشركون بمكة على قتل رسول الله ، فكانت هجرته .
كانت الهجرة نصراً للإسلام والمسلمين، حيث أبطل الله مكر الماكرين، وكيد الكائدين وتخطيط المشركين، والله من ورائهم محيط، قال الله تعالى: إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِىَ ٱلْعُلْيَا وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(التوبة: 40).
لقد بينت وقائِع الهجرة أنَّ العقيدةَ أغلى من الأرض، وأنَّ التوحيدَ أسمى من الديار، بينت وقائِع الهجرة أنَّ الإيمان أثمنُ من الأوطان، وأنَّ الإسلامَ خير من القناطير المقنطَرة من الذّهب والفضّة والخيلِ المسوّمة والأنعام والحرث، ومن كلِّ متاعِ الحياة الدنيا.
يتجلّى هذا المعنَى واضحاً في خروجِ النبيّ الكريم مع صاحبِه الصدّيق ، مهاجرَيْن كما يصوّر الحديثُ الذي أخرجَه الإمام أحمد في مسندِه والترمذيّ وابن ماجه بإسناد صحيح عن عبد الله بن عديّ بن حمراء الزّهريّ قال: رأيتُ رسول الله واقفًا على الحَزْوَرَة قال: «والله، إنَّك لخيرُ أرضِ الله وأحبُّ أرضِ الله إلى الله، ولولا أنِّي أُخرجتُ منكِ ما خرجت».
لقد رسمت وقائِع هجرة الرسول الكثير من صور الصدق والثبات واليقين، والثقة بالله والتوكل عليه، خاصة عند الشدائد، ومن ثم جاء الشعار الخالد الوارد في القرآن الكريم: لا تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا. أيُّ معيّةٍ هذه التي يحس بها الرسول؟ إنّها المعيّة الخاصّة التي تأتي بالنّصر والتّأييد، و المعونةِ والحِفظ والتّوفيق.
دعا رسول الله الناس إلى هذا المعنى العظيم، دعا إلى دين قويم يرقى به الإنسان إلى أعلى المنازل، ويسعد به في الآخرة سعادةً أبدية في النعيم المقيم.
وانتصر الإسلام وارتفعت راية القرآن، وكان الله دوماً مع المؤمنين ناصراً وهادياً ومعيناً وحامياً، ثم شاء الله أن ابتليت أمة الإسلام في هذا العصر بالذل والهوان، ففقدت هيبتها، وأعجبت بأعدائها، واتبعتهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، سلط الكفار على رقاب المسلمين فأملوا عليهم فطبقوا، وأمروهم فأطاعوا، حتى هجرت معظم الدول الإسلامية تاريخها الإسلامي، فلا يكاد يعرف إلا في المواسم كرمضان والحج، لقد نسينا تاريخنا فأنسينا تأريخنا، وأضعنا أيامنا فضاعت أيامنا.
أصبح الواحد من المسلمين يسأل فيقول: كيف يكون المستقبل للإسلام، والأعداء قد اجتمعوا عليه وتكالبوا من كل جهة؟ وقد سلطوا عذابهم على المسلمين عامة، وعلى المتمسكين به خاصة؟ كيف يكون المستقبل للإسلام والأعداء يملكون القنابل النووية، والأسلحة الفتاكة، والمسلمون عزل لا يضمنون كسب قوتهم قوتهم ولا يستطيعون حماية أنفسهم؟ هل عجز الله عن نصرنا؟ أم أنه تخلى الله عنا؟ ألسنا مسلمين؟ هل الله معنا؟ بل هل نحن مع الله؟.
كم يبذل الأعداء من جهود وأموال من أجل إضلال المسلمين عن سبيل ربهم، وإبعادهم عن سنة نبيهم، من خلال المجلات الماجنة، و القنوات الهابطة، ومن خلال الدعوات الصريحة إلى التبرئ من الإسلام، واستبداله بالعلمانية والإلحاد.
لم تكن حادثة الهجرة طلبا للراحة ولا هرباً من العدو، لم تكن تهرباً من الدعوة وأعبائها، بل كانت بأمر من الله تعالى، ليقضي الله أمراً كان مفعولا. إن الهجرة المباركة كانت درساً في الصبر والتوكل على الله تعالى.
إن حادثة الهجرة تمد المسلمين بالعبر والعظات والدروس والتوجيهات، وقد شاء الله تعالى أن تكون بأسباب مألوفة للبشر، يتزود فيها للسفر، ويركب الناقة، ويستأجر الدليل، ولو شاء الله لحمله على البراق، ولكن لتقتدي به أمته في الصبر والتحمل، وفي العمل والتوكل.
إن حال المسلمين في العالم حري بالاستفادة من معاني الهجرة النبوية المباركة، بفهم أمر الدين والفصل بين الدين الحق وأهله وبين المنحرفين والمنفرين.
عباد الله، مهما طال أمد انتظار النصر فلا ينبغي أن نيئس من حصوله، فعلينا أن نزرع في نفوسنا الثقة بهذا الدين ونقاوم السلبية والانهزامية.
اللهم اجعلنا بصدق من أمة لا اله إلا الله، واحشرنا تحت راية لا اله إلا الله محمد رسول الله.
اللهم اجعل هذا العام الهجري بركة وخيراً يعم البلاد والعباد. آمين والحمد لله رب العالمين.
ذ. وزاني برداعي