سوف نسقط الخيار العسكري للدول الكبرى، ونخترق مجتمعاتها من الداخل بقوة العقيدة، والقدرة على كسب الآلاف منهم إلى هذا الدين. ليست أماني ولا أحلاماً.. ليست هروباً من ضغوط الواقع وهزائمه وانكساراته باتجاه الخيال.. ولكنه الأمر المحتوم الذي لن يحدث – بالتأكيد – بين ليلة وضحاها، ولكن على المديات الزمنية التي قد تمتد وتتطاول .زحفٌ هادئ من الداخل بقوة المشروع الإسلامي ووعده بخلاص الفرد والجماعة، وتهافت المذاهب والنظم والمشاريع الكافرة والعلمانية والدينية المحرفة. فلو أننا تابعنا ما تشهده البلدان الغربية من انتماء العديد من المسيحيين واليهود والعلمانيين والملاحدة إلى الإسلام.. يوماً بيوم، فيما تعلن الصحف وأجهزة الإعلام عن جانب محدود منه، بينما تغيّب – لسبب أو آخر – جوانب أخرى؛ لرأينا العجب العجاب من هذا الإقبال المتزايد على الإسلام، رغم الحواجز والضغوط، وحصار المصالح، وثقل التقاليد.. إقبال من شرائح شتى وانتماءات متنوعة: ساسة وإعلاميين وفلاسفة ومفكرين وأدباء وتربويين وقادة رأي ودبلوماسيين وفنانين ورياضيين. ففي الولايات المتحدة الأمريكية وحدها – على سبيل المثال – تشير إحصاءات السنوات الخمس الأخيرة إلى أن عدد الذين يعتنقون الإسلام من الرجال والنساء في العام الواحد بلغ عشرين ألفاً. دفق يثير الدهشة والإعجاب.. لكن أسبابه واضحة بينة، فيما يقوله ويصرّح به المنتمون أنفسهم، والذي هو بحاجة للمزيد من الدراسات، ولحسن التوظيف الإعلامي.. ليس للكشف عن عناصر الجذب والقوة في هذا الدين فحسب، وإنما لتحفيز الظاهرة وإغراء الآخرين بها كذلك. وحتى أولئك المفكرون والأدباء والفلاسفة والكتّاب الكبار في الغرب، ممن لم ينتموا لهذا الدين، قالوا كلمتهم القاطعة الحاسمة في أن الإسلام، والمشروع الحضاري الإسلامي، سيمارسان في المستقبل القريب دوراً مؤكداً في إعادة صياغة العالم والمصير البشري، فيما سيعين البشرية على مجابهة محنتها، ويمنحها الخلاص، ويتجاوز بها الطرق المعوجة والمسدودة، صوب الصراط، ويخرج بها من ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور المذاهب والأديان إلى عدل الإسلام. ولقد انتبهت بعض القيادات الغربية إلى ما اعتبرته +الخطر القادم؛، وراحت تبذل ما في وسعها، معتمدة كل الأساليب الأخلاقية واللا أخلاقية، المبررة وغير المبررة، للحدّ من الظاهرة، فما زادتها إلاّ انتشاراًً! إن ما حدث في بعض البلدان الغربية بالنسبة لظاهرة +الحجاب؛، وتزايد الدعوة إلى التمييز العنصري، والحدّ من الهجرة، وتضييق الخناق على الغرباء، وطردهم إذا اقتضى الأمر.. والحملات الإعلامية المسعورة ضد الإسلام وكتابه ونبيه ورجالاته وتاريخه وحضارته.. بما فيها رسوم السوء الكاريكاتيرية في الدنمارك، بل وحتى الوقوف ضد محاولة تركيا (المسلمة) الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وغيرها كثير من الممارسات، زادتها واقعة الحادي عشر من سبتمبر 2001م عنفاً وضراوة.. ما هي في بعدها الحقيقي إلا ردّ فعل واضح إزاء تحدي الانتشار الإسلامي داخل المجتمعات الغربية. ولكن.. ورغم كل هذا الذي جرى ويجري وسيجري، فإن ظاهرة الانتشار الإسلامي ماضية إلى أهدافها بوعد من الله سبحانه، وبأذرع العاملين من الدعاة، وبقوة هذا الدين وسلامة مشروعه، وعمقه الحضاري الذي يعرف كيف يحتوي التكنولوجيا والعلم والتقدم، ولكن وفق منظومة القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية التي فرّط بها الغربيون؛ فساقوا البشرية إلى المزيد من التعاسة والاصطراع والخوف والشقاء.. لن نخترقهم بقوة السلاح، على الأقل في المديات الزمنية (التاريخية) المنظورة، ولكننا سنغزوهم بقوة عقيدتنا ومشروعنا الحضاري، ولن يكون المستقبل إلاّ لهذا الدين بإذن الله.
أ. د. عماد الدين خليل