…لعل من أهم ثمار هذا الربيع العربي الذي نعيش أطواره منذ بداية هذه السنة، أن عواصفه -على غير عادتها- كانت أعنف وأعتى -على غير عادتها كذلك- بحيث أسقطت العديد من الأقنعة لتنكشف لنا وجوه كالحة السواد، حادة المخالب والأنياب لبعض الأنظمة الدكتاتورية التي ظلت لسنوات -وتحديداً منذ هزيمة 67- تدغدغ عواطف الأمة بشعارات ا لمقاومة والنضال ضد الإمبريالية والصهيونية العالمية وهلم شعارات زائفة ظلوا يرددونها على مسامع هذه الأمة المكلومة والملدوغة مرتين :
مرة من أجل اجترار الهزيمة وتقديمها لهم على أنها انتصار للقومية العربية ووحدة الصف والكلام الفارغ.
ومرة عن طريق إسكات كل صوت حر يتجرأ على انتقادها، حتى أضحى كل من اشتكى أو تدمر من ظروف العيش وانتشار الفساد، اتُهم بالعمالة للعدو وللامبريالية العالمية، والنقص في الأهلية الوطنية و…. اللائحة طويلة .
فبات المواطن العربي تحت هذه الزعامات الفارغة بين نارين أحلاهما مُرٌّ، نار الهوان والمسغبة واجترار الهزيمة المتلاحقة. ونار القمع و القهر وعدم القدرة على البوح والشكوى خوفا من التخوين وما يستتبع ذلك من تهم ما أنزل الله بها من سلطان.
وهكذا عاش المواطن العربي ونما وترعرع :
إما متملقا وعميلا مخلصا لمخابرات هذه الأنظمة المتعفنة، يلتقط أنفاس المواطنين حتى في السكوت، وقد يُكلف حتى بالتجسس على أمه وأبيه وصاحبته التي تأويه.
وإما أخرس أبكم، ولا يفتح فاه إلا عند طبيب الأسنان!! حتى تضخم لسانه في فمه لقلة الحركة.
وإما ملقى في السجون أو منفيا ومشرداً في أرض الله الواسعة كلاجئ سياسي إلى أن تصطاده أجهزة الأنظمة فيتم اغتياله قضاء وقدراً.
هذه الأنظمة المتعفنة هي التي أفسدت حياة الناس وغيرت من فطرة الإنسان العربي الشهم الأبي.وهي التي أوقفت عجلة التنمية في أمة جعلها الله “خير أمة أخرجت للناس” فأرادوها بظلمهم وجشعهم أذل أمة بين الناس وأفقر أمة بين الناس، مهيضة الجناح، مكسورة الخاطر، مُعدمة رغم غناها.
الربيع العربي أسقط إذن هذه الأنظمة المتعفنة التي ظلت توهمنا نحن الشعوب الساذجة بأنها تدافع عن كرامة الأمة وتدافع عن الشعب الفلسطيني المقهور وتعمل على تحرير بيت المقدس ووو…!!
فتبين أنها لم تكن تهدف إلى تحرير فلسطين ولا تحرير القدس ولا هم يحزنون، فلسطين كانت فقط ذلك السلم الذي تسلقوا درجاته للوصول إلى الحكم وفرض السيطرة على شعوبهم المقهورة.
تبين ويا لهول ما تبين أن هذه الأنظمة إنما كانت تحمي الكيان الصهيوني وتأمن حدوده حتى يتفرغ هو لبناء المزيد من المستوطنات وقتل المزيد من الأبرياء واعتقال المزيد من السجناء..!!
فمصر وفّرت -بعد اتفاقيات كامب ديفد- ما يناهز 20% من الدخل القومي الإسرائيلي، كانت إسرائيل تنفقه على أمن الحدود والمخابرات!…وجاء مبارك ليحمي لهم حدودهم مع قطاع غزة ويفرض حصاراً ظالما على أهل غزة المجوعين والمحاصرين أصلاً، بل يقوم ببناء حاجز فولاذي بين مصر والقطاع حتى يمنع تهريب الحليب للأطفال والدواء للمرضى والسلاح للمجاهدين.
وفي سوريا، بقيت الحدود بينها وبين اسرائيل من أكثر الحدود أمنا واستقراراً فوفر النظام البعثي السوري النُصيري لإسرائيل أكثر مما وفرت له اتفاقيات كامب ديفد، هذا ولم يُطلق النظام طلقة واحدة على إسرائيل الذي ظل منذ الهزيمة يوهمنا بمقاومتها!!
تبين ويا لهول ما تبين أن هذه الأنظمة المسماة ظلما بالمقاومة والثورية والقومية، تبين أنها أشد مقاومة وفتكا بشعوبها من إسرائيل ذاتها.
فهل سمعتم أن الجيش الإسرائيلي استعان يوما بمرتزقة من أنحاء العالم لقتل أبناء فلسطين وسحل شيوخهم واغتصاب نسائهم كما يفعل النظام الليبي المجرم مع الشعب الليبي الأبي؟!
هــل قتلت إسرائيل أزيد من 10000 شهيد على امتداد شهرين كما فعل القذافي بشعبه؟!
هــل أقامت إسرائيل مقبرة جماعية لجنودها لأنهم رفضوا تصويب فوهات دباباتهم وأسلحتهم لصدور المتظاهرين العزل كما فعل ولا يزال يفعل النظام الدكتاتوري في سوريا..؟!
هــل سمعم أن نظاماً في العالم وحتى في القرون الوسطى حوّل نصف شعبه إلى لاجئين على حدود البلد المجاور بينما حول النصف الآخر إلى شهداء وجرحى كما يفعل النظام النصيري في سوريا والنظام القمعي في اليمن وليبيا..
هل.. وهل..؟ أسئلة عديدة لا يتسع المجال لطرحا، ليتقي في القلب غصة مما آلت إليه أحوال الشعوب العربية والإسلامية تحت أنظمة من هذا النوع، والله نسأل أن يزيح عن الأمة كل طاغ متجبر حتى تهب على الأمة نسائم ربيعية حقيقية تنعش الأرواح وتهدئ النفوس والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.
ذ. عبد القادر لوكيلي